وإن أقوال الشيخ شلتوت وفتاويه حول زواج المتعة وفتوى أخرى عنه تجعلنا نستبعد صدور فتوى من هذا القبيل من الشيخ شلتوت.. كذلك أقوال وتأكيدات كثير من رجال الأزهر الشريف وأصحاب الرأي والاهتمام. من هؤلاء الشيخ القرضاوي والشيخ علي السالوسي والشيخ حسنين مخلوف ووقوفه في وجه تدريس المذهب الشيعي الجعفري في الأزهر. وللشيخ شلتوت رأي آخر يقوي عدم صدور الفتوى عنه وهو أنه كان يرى السبيل الوحيد إلى إعادة الصف الإسلامي إلى وحدته وقوته أن «لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله» وأن نطرح وراء ظهورنا تلكم «التأويلات البعيدة للنصوص الشرعية من كتاب وسنة صحيحة» وأن نقيمها «كما فهمنا المعاصرون للتنزيل» وأن نجعل «أهواءنا تبعاً لديننا ولا نجعل ديننا تبعاً لأهوائنا» وأن نحارب احتكار فرد أو أفراد تعاليم الدين. فما كان الإسلام دين أسرار وأحاجٍ لا تعرفها إلا طائفة «تطلع عليها من تشاء وتمنعها عمن تشاء»، فما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة وطلب من أصحابه واتباعه أن يبلغوا ما علموه» هذا من مقدمة كتاب «إسلام بلا مذاهب» ص6. أبعد كل هذا يدعي مدع أن الشيخ شلتوت لا يعرف مذهب الرافضة؟ وأنه كان يجهل المذهب وأنه كان حسن النية؟! إذن فعن من كان يتحدث الشيخ شلتوت في العبارة السابقة إن لم يكن يتحدث عن الشيعة الإمامية الأثنى عشرية الرافضة الذين يقولون بخلاف كل جملة وردت في سبيل الشيخ شلتوت إلى وحدة الأمة. ورغم أن الشيخ ناصر الدين بن عبد الله الغفاري يقول في كتابه مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة: ومما يؤكد جهل الشيخ شلتوت بالشيعة أنه يرى أن السبيل الوحيد هو كذا وكذا حسب الذي ذكرناه. ثم يعود الشيخ الغفاري يقول: فالشيخ شلتوت بهذا القول كأنه يحكم على الشيعة الذين أفتى بجواز التعبد على مذهبهم بأنهم لم يسلكوا سبيل التقريب لأن الشيعة على خلاف تام لهذه الأركان التي وضعها للتقريب.. فاتخاذهم الأئمة أرباباً من دون الله منتشر عندهم وفي كتبهم.. وهم أهل التأويلات البعيدة للنصوص الشرعية.. ويرون أن من الكيد للإسلام أن نفهم هذه النصوص كما فهمها الصحابة والمعاصرون للتنزيل.. وهم بمزاعمهم في أئمتهم ودعاويهم في مجتهديهم يمثلون الإسلام ذلك الاحتكار للدين الذي يعنيه شلتوت. وهم يقولون إن في دين الله أسراراً وأحاجٍ لا تعلمها إلا طائفة خاصة بزعمهم هم أهل البيت.. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كتم قسماً من الشريعة وأودعه إياهم.. وهم وحدهم عندهم الجفر والجامعة ومصحف فاطمة وعلم ما كان وما يكون.. ولمجتهديهم اتصال بالمنتظر التي انتهت إليه هذه العلوم بزعمهم. ثم يقول الغفاري: فكأن الشيخ شلتوت ينقض فتواه بنفسه!! عظم الله أجرك أيها الشيخ الغفاري وعفا الله عنك.. لم لم تصل إلى ما وصلت إليه أنا من أن الشيخ شلتوت كان يعلم عن الشيعة أكثر من غيره في ذلك الزمان، ولكن الدعوة إلى التقريب كان وراءها القصر وعبد الناصر بالتحديد.. وكان لا بد للشيخ أن يسير فيها على نحو ما، ولعله كان في خاطره الدعوة للتقريب ولكن من وجهة نظر العالم المدقق المطلع على أسرار الفرقة المدعوة للتقريب.. وقد دعا إلى التقريب.. ولكنه قيده بما لا فكاك له منه وإلا فلا تقارب ولا تقريب إلا أن الشيخ بالرغم من كل ذلك لم ينج من حبائل الرافضة والرأي الراجح عندي أنه كان هناك تفاهم غير معلن بين الشيخ شلتوت ومحمد القمي رئيس أمناء دار التقريب على المضي قدماً في الدعوة واتخاذ الخطوات التي تقرب بين الشيعة والسنة.. بقدر الإمكان. وكان الشيخ شلتوت يدرك أن التقارب الحقيقي لا يكون إلا في الأصول أما الفروع فلا غبار عليها. والرأي عندي أن الرجلين القمي وإمام الأزهر اتفقا على فحوى الفتوى.. وأن تكتب بالصورة التي كتبت بها وألا تظهر لأحد حتى يفرغ البروجردي المعاصر من موسوعة «جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة»، وكان قد طلب من اللجنة المكلفة من قبله بكتابة الموسوعة أن يثبتوا روايات أهل السنة في ذيل أبواب الموسوعة ويدعو العمل على هذا الأساس. وربما كان الاتفاق أن يخرج العملان في آن واحد أو في مؤتمر جامع إلا أنه وكما قيل فإن مجموعة من قم ضغطت على البروجردي فاضطر للتراجع عنه. والبروجردي يعتبر المؤسس الثاني للحوزة العلمية في قم بعد مؤسسها الأول حسين الخازي عام 1944. وحتى يعلم القارئ الكريم عمن نتكلم، فإن البروجردي كان له موقف تقريبي قبل أن تظهر الدعوات للتقريب، فعندما قررت حكومة الشاه استبدال الخط العربي والحروف العربية بالخط اللاتيني في الكتابة اقتداءً بمنهج أتاتورك وقف البروجردي موقفاً قوياً حال دون ذلك، وقال: «إن هدف هؤلاء من تغيير الخط إبعاد مجتمعنا عن الثقافة الإسلامية.. وما دمت موجوداً فلا أسمح بتحقيق ذلك». وأحسب أن البروجردي كان صادقاً في دعواه للتقارب ولا ينفي عنه ذلك أنه كان قامة عند أهل الشيعة فها هو حسين المؤيد بعد أن كان من مراجعهم أصبح الآن داعية ضدهم.. وكمال الحيدري ربما يلحق بالمجموعة عما قريب. وإخفاء الفتوى كان من الأسباب الداعية إلى إنكار كثير من العلماء لوجودها ومن أهمهم القرضاوي والعسال وغيرهما ولا بد أن دعوى التقريب لقيت قبولاً ورواجاً عند كثير من أعلام السنة في هذا العصر وهم معروفون ولا يشكل أن القرضاوي نفسه كان من دعاة التقريب فإن العلم بالفوارق الكبيرة ربما يكون حافزاً للسير في الدعوة خاصة إذا بشرت بثمرات كما كان في حالة القمي والبروجردي مع شلتوت. ألفت انتباه القراء إلى أن كتاب المراجعات لكذوب الرافضة عبد الحسين شرف الدين الذي يدعي فيه أنه مكاتبات بينه وبين شيخ الأزهر سليم البشرى أظهرت جهل شيخ الأزهر وكأنه طالب في الحوزة العلمية أو دونها.. هذا الكتاب ظهر بعد موت سليم البشرى بعد عشرين عاماً. وهاكم موقف الشيخ حسنين مخلوف من التقريب ومن دراسة المذهب الجعفري في الأزهر، قال الشيخ حسنين مخلوف: بسم الله الرحمن الرحيم: بدأت فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة حينما كان بمصر رجل شيعي اسمه محمد القمي وسعى في تكوين جماعة سماها جماعة التقريب وأصدر مجلة التقريب وكتب فيها بعض الناس. وأنا لم أكن موافقاً على التقريب ولا على المجلة ولذلك لم أكتب في المجلة ولم اجتمع مع جماعة التقريب في مجلس ما. وقد سعى القمي لدى الشيخ شلتوت في أن يقرر تدريس الفقه الشيعي الإمامي في الأزهر أسوة بالمذاهب الأربعة التي تدرس فيه. وأنا حين علمت بهذا السعي كتبت كلمة ضد هذه الفكرة وأنه لا يصح أن يدرس فقه الشيعة في الأزهر.. ألا ترى أن الشيعة يجيزون نكاح المتعة ونحن في الفقه نقرر بطلان نكاح المتعة وأنه غير صحيح.. وقد أبلغت هذا الرأي لأهل الحل والعقد في مصر آنذاك وأصدروا الأمر لشيخ الجامع الأزهر بأنه لا يجوز تدريس هذا الفقه فيه فلم ينفذ والحمد لله. ومع ذلك لم ينبس الشيخ حسنين بكلمة واحدة عن فتوى جواز التعبد بالمذهب الشيعي لأنها في الغالب لم تكن أعلنت.. وكذلك القرضاوي رغم أنه غادر مصر بعد صدور الفتوى كما يقول مدير مكتبه عصام تليمه بسنتين.. فهو إلى حين خروجه لم يعلم عنها شيئاً، ذلك كله يدل على أن الفتوى والدراسة والموسوعة كانت جميعاً ضمن مخطط اتفق عليه الفريقان.. إلا انه لم يكتب له النجاح.. ولكن الرافضة أظهروا الفتوى.