منى النور: يبدو أن الحوار الذي دعا له الرئيس عمر البشير في يناير الماضي، كل القوى السياسية المعارضة بهدف تسوية الأزمة التي تواجه البلاد، وتم خلاله إطلاق الحريات الإعلامية والسياسية، يعيش حالة من التأرجح والخلافات حول مستقبله خاصة بعد توقيف زعيم حزب الأمة الصادق المهدي واستغلال الأحزاب المعارضة للوضع مما حدا بفاروق أبو عيسى لوصف الحوار بأنه «دُفن» بخروج حزب الأمة وحركة الإصلاح الآن، فيما اتهم الوطني الأحزاب الرافضة بالسعي لتقويض الحوار. وهو الأمر الذي وضع الأحزاب التي وافقت على الانضمام في موقف لا يحسد عليه أمام القوى التي رفضت المشاركة وعضدت رؤيتها بأن الحكومة ما زالت تلعب في مساحة المناورة وليست لديها الإمكانيات والقدرة على الحوار. فالأجواء الملبدة بالغيوم ما زالت سيدة الموقف، فضلاً عن غياب الثقة واتساع مساحة الخلافات بين النظام الحاكم والمعارضة حول العديد من القضايا التي تتمثل في شرعية النظام، والانفراد بالسلطة، وإقرار ميثاق السلام ووقف الحرب. كل تلك القضايا تصب في خانة احتمالات تعثر هذا الحوار في حالة كتب له النجاح والمضي قدماً. حيث يرى مراقبون أن الحوار الوطني يتأرجح على عتبات ثلاثة سيناريوهات محتملة بعد تداعيات اعتقال رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي . فالسيناريو الأول يتمثل في نجاح شامل للحوار من خلال وصول أطرافه إلى حل سياسي بشأن أزمات البلاد، وسيناريو ثاني يمكن أن يطلق عليه نجاح جزئي يتم عبر تقديم تنازلات من الحكومة والقوى السياسية وصولاً لتفاهمات وأرضية مشتركة. والسيناريو الثالث هو فشل وانهيار الحوار الوطني في حال تمسك كل طرف بمواقفه. والقرارالذي اتخذته حركة «الإصلاح الآن» بتعليق الحوار مع الحكومة يعكس ملامح تصدع وخلافات بدأت تظهر على الحوار وربما هي خطوة منها لإجبار الحكومة على تنفيذ استحقاقات ومتطلبات الحوار، خاصة في شأن الحريات التي لم تجد الحظ الوافر من التنفيذ، والتي كانت بمثابة أنبوبة اختبار حقيقي للحكومة. وبررت الحركة الأسباب التي قادتها الى تعليقها الحوار في حزمة من الأسباب على رأسها التراجع الواضح عن الحريات السياسية، والإجراءات المتخذة تجاه الإعلام والصحف، بجانب إيداع تعديلات على قانون الانتخابات من طرف واحد «الحكومة» منضدة البرلمان دون التشاور مع قوى المعارضة، الأمر الذي اعتبرته خطوة استباقية تعكس سوء نوايا الحكومة تجاه الحوار ومدى الجدية في الالتزام بمآلاته. وكان عضو الحزب حسن رزق قد كشف في تصريحات سابقة أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات مؤخراً والمتمثلة في اعتقال بعض طلاب الجامعات والأحزاب السياسية بالولايات والتراجع في الحريات الصحفية وتهديد وزير الإعلام بإيقاف المزيد ومنع النشر في قضايا الفساد المرتبطة بالمسؤولين، تركت آثارا سلبية على المستويين المحلي والخارجي ستدفع باتجاه تأجيل أو تعطيل أو توقف الحوار، ورهن رزق استمرار الحوار بإزالة العراقيل التي اعترف بها الوطني كثيراً بوجود بعض الصعوبات التي تواجه الحوار وأن التغلب عليها يتم بواسطة الإرادة السياسية وتقديم المزيد من المبادرات والتازلات للمضي قدماً في مسيرة الحوار. ولم تكن خطوة التعليق من قبل الإصلاح الوحيدة، فقد أعلنت قوى الإجماع الوطني تضامنها مع موقف حزب الأمة القومي بإيقاف الحوار مع الوطني والمطالبة بإطلاق سراح المهدي. الأمر الذي اعتبره الكثيرون خطوة نحو إجهاض الحوار الذي لم تكتب له الحياة بعد وتأتي تلك التداعيات في ظل تمسك حزب المؤتمر الشعبي بالحوار الذي أكد أنه يسعى من خلال الحوار الى الوصول لحوار شامل يجمع كل القوى السياسية والحركات المسلحة حول القضايا الوطنية. وأوضح الشعبي أن أجندة حزبه للحوار يأتي على رأسها وقف الحرب وإطلاق الحريات العامة وحل الأزمة الاقتصادية. ويرى المحلل السياسي د. الفاتح محجوب إن تعليق حزب الإصلاح الآن للحوار مع الحكومة شكل من أشكال الحوار، وقال إن انضمامه ومساندته لحزب الأمة الذي علق مشاركته واشترط إطلاق سراح زعيمه، هذا التضامن يعد أيضا شكل من أشكال الحوار المتمثل في الضغط على الحكومة لاتخاذ إصلاحات في مجال الحريات العامة والإعلام، كل تلك تعد واحدة من أساليب الضغط عبر الحوار، مؤكدا أن لدى حزب الأمة والإصلاح الآن التزام عميق بالمشاركة في الحوار والمضي قدماً في تنفيذه ولكنهم يريدون في ذات الوقت من المؤتمر الوطني المزيد من الالتزامات الواضحة في مدى جديتهم في الحوار المطروح، وهذا يتمثل في إطلاق الحريات وفتح المجال الواسع أمام الحريات الصحفية وإطلاق سراح الصادق المهدي باعتباره رمزاً من رموز الحوار الوطني.