عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. شاهدتُ خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان المُبارك حلقةً للفنان القامة والباحث القدير عبد الكريم الكابلي في إحدى القنوات السورية، أعادت بثها قناة أنغام السودانية، من ضمن سلسلة توثيقها للفنان، مع الإعلامي الألمعي عمر الجُزلي، وكانت حلقةً رائعة بروعة فنانها ومُدهشة بدهشة مقدمتها السورية. حيث كان الفنان الكابلي في قِمة أناقته وفصاحته وجمال موسيقته، غاصت به المذيعة في أعماق المجتمع السوداني، وثقافته وتباين أعراقه، وجاءت إجابات الكابلي عن شعبه المعلم، مقنعةً، وبلغة عربية فصحى، رسمت علامات الدهشة على محيا المذيعة السورية البريئة، وأحسستُ بدهشتها نتجية جهلها لفصاحة هذا الشعب الأسمر منها بشرةً، والأفصح منها لساناً. وعندما أفاقت من دَهشتِها، سألت الفنان لماذا كُل هذا الإبداع الأصيل لم ينتشر عالمياً، أو على الأقل في الدول العربية؟ حينها رمى الكابلي اللوم والتقصير على السلم الخماسي والإعلام، حيث قال إن الأُذن السودانية لم تألف من الموسيقى غير السلم الخماسي (الناقص) الذي لم يكن منتشراً في الدول العربية، وقال عندما قَدّم نموذجاً لأُغنية بالسلم السباعي قامت الدُنيا ولم تقعد، وعاتبه أصدقاؤه على هذه الخطوة الجريئة، التي اعتبروها (تقليعةً) غير موفّقة. أما التقصير الإعلامي عن نشر الأغنية السودانية إلى الفضاء الخارجي، فلا يحتاج مِنا إلى دليل، فالكُل يَعرف ذلك. وعندما تغنى الكابلي بمقطعين (كوبليين) من رائعة الشاعر تاج السر الحسن (آسيا وأفريقيا) وحَكى مناسبتها وتاريخ كتابتها، وتقديمها في حضرت القائد العربي جمال عبد الناصر، زادت دهشة المذيعة وتلفّحت بثوب من الحيرة، مستغربةً للشعور القومي الذي يحمله مبدعو السودان بين حناياهم. عندما أعزف ياقلبي الأناشيد القديمة ويطل الفجرُ في قلبي على أجنح غيمة سأُغني آخر المقطع للأرض الحميمة للظلال الزُرقِ في غابات كينيا والملايو لرفاقي في البلاد الآسيوية للملايو ولباندونق الفتّية لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة والتي أعزف في قلبي لها ألف قصيدة ******* مصر يا أخت بلادي يا شقيقة يا رياضاً عذبة النبع وريقة يا حقيقة مصر يا أم جمال وأم صابر ملء روحي أنتِ يا أخت بلادي فلنجتث من الوادي الأعادي فلقد مُدت لنا الأيدي الصديقة وجه غاندي وصدى الهند العميقة صوت طاغور المغني بجناحين من الشعرِ على روضة فنِ يا دمشقُ كُلنا في الفجر والآمال شرقُ وعندما قال( يا دمشقُ يا دمشقُ كُلنا في الفجرِ والآمال شرقُ) كادت المذيعة أن تطير من الفرحة،لأنها لم تسمع بشعراء سودانيين كتبوا عن دمشق بهذا الإنتماء القوي والعاطفة الجياشة، بالرغم من أن شعراء السودان أكثر الشعراء إحساساً وتفاعلاً مع ما يدور في العالمين العربي والأفريقي، ولهم قصائد متميّزة في كل حدث إلمّ بالأمتين العربية والأفريقية. ولم تنس الذاكرة العربية، مشاطرة شاعرنا القدير، شاعر نشيد العلم السوداني أحمد محمد صالح وشعبه الأبي لدمشق، في محنتها إبان العدوان الفرنسي عام1945م، بقصيدته العصماء(دمشق معهد الحرية)، والتي يقول فيها: صبراً دمشقُ فكل ُّطَرْف باكٍ لما استبيح مع الظلامِ حِماكِ جرحُ العروبةِ فيكِ جرح سائلٌ بكتِ العروبةُ كلُّها لبُكاك ِ *** جَزعتْ عُمان ُورُوِّعتْ بغدادُ وبكت رُبا صنعاء يومَ أساكِِِ ِ وقرأتُ في الخُرطوم آياتِ الأسى وسمعتُ في بيروتَ أنّةَ شاكٍ **** ضربوكِ لامُتعفِّفين سفاهةً لم تأتِ إثماً يا دمشقُ يداك ِ ورماكِ جبّار ٌيتيه بحولهِ شُلّتْ يمينُ العِلجْ حين رماكِ ِ *** قُولي ل «ديغولٍ» مقالةَ شامتٍ أنسيت َفي باريسَ نوحَ الباكي؟ أنسيت َيوم أتاكَ «هتلرُ» غازياً وفررت َلم تصبر ليوم عراكِ؟ *** قُمْ يابنَ هندٍ وأمش ِفيهم غازياً في كلِّ جبّارِ العزيمةِ شاكي جَدِّدْ لنا يومَ للواءِ وعهدِهِ وأعدْ علينا ما حكاه الحاكي *** مهلا ًفرنسا فالحوادثُ جَمّةٌ والدهرُ دَوّار ٌمع الأفلاكِِِِِِ وغدا ًتدور الدائراتُ فشَمّري سأكون أوّل َشامتٍ ينعاكٍِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ وهُناك سؤال يحيرني ويعيدني إلي قضية الهوية السودانية لماذا يَحتَفِي الشعراءُ والأدباءُ والكُتاب السودانين بالأخر، ولا يُحتَفِي بهم؟، بالرغم من أن مشاركاتهم في المهرجانات العربية والأفريقية أثبتت أنهم الأفصح والأبلغ والأجود من غيرهم.