قرأت في الأسبوع الماضي للزميل الصحافي المخضرم عبد المنعم الشريف مقالتين بصحيفة «الإنتباهة» عن العنت الذي يواجه طالبي الزكاة بسسب طول الإجراءات وتعقيدها، وتذكرت مقالة لي كنت قد كتبتها قبل عامين تقريباً تحت عنوان «روبن هوود في السودان» تعليقاً على فيلم «روبن هوود» بطولة راسل كرو الذي فاقت إيراداته ال «40» مليون دولار فى أول أسبوع عرض له بأمريكا، نظراً للإقبال الشديد عليه. وكان الفيلم قد اُفتتح في فعاليات مهرجان كان يوم 12 مايو عام 2009م، ويحكي الفيلم قصة شاب يحارب في جيش الملك ريتشارد قلب الأسد، ويقاتل ضد الغزاة بطريقة شبه خارقة، والقصة معروفة في الأدب الانجليزي، لكن لها أكثر من رواية مختلفة، بيد أن المعروف أن الأسطورة تدور في معظمها حول أن البطل روبن هوود يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء، ولقب بأمير اللصوص prince of thiev))، لكن ماذا لو ظهر روبين هوود بشحمه ولحمه في السودان؟ فربما وجد أصحاب منزل في زقلونا بالردمية مارتديلا وهامبيرقر ولحم دجاج وجبنة مضفرة في كيس مكتوب عليه «مع تحيات روبن هوود»، فيهجم عليها الأولاد هجوماً كاسحاً بأسنانهم التي طالما كدَّت الدوم ببراعة و «ملصت» لحم الدجاج من العظام بسلاسة حتى أحالوها إلى عدم، فتصرخ فيهم أمهم: «يا أولاد السجم ما تخلوا لأبيكم شوية»، لكن المفعوص الصغير خطف ما تبقى من فتات ثم أعمل لسانه بطريقة مساح المطر في السيارات، فتارة ذات اليمين وتارة ذات الشمال، فقال الابن الكبير: «يمه كنا عايزين نخلي ليه شوية لكن ولدك اللسانه زي الضب ده مسحه كله». وفي منطقة «تعال جوه ما تخاف» قذف روبن هوود كيساً معتبراً مليئاً بالملابس الراقية، فعثر عليها الابن الأكبر الذي نهض مبكراً من نومه بعد أن ربط «تكة» سرواله الواسع المرقع، فصاح قائلاً: «يمه روبين هود جاب لينا ملابس جديدة»، فسرعان ما نهض «المسنوح» من نومه فهجم على بنطال واسع فأدخل أقدامه فيه بسرعة فائقة، ونزع قميصه الذي يرتديه و «حدفه» على الأرض، فنهرته أمه بغضب: «يا مسنوح ما تغير في الحمام»، لكنه كان قد أتم ارتداء الملابس الجديدة، ثم ترك القديمة على الأرض ثم قال «لكن حربي يا هوود»، بيد أن حمد «في شافونا وخلونا» ألجمته المفاجأة تماماً في الصباح الباكر، فأخذ يصرخ «هود يا هود» فعلم منه الجيران بصعوبة أنه تلقى مبلغاً من المال يساوي بالضبط مصاريف الجامعة لأولاده الذين قطعوا دراستهم وحملوا «المونة» والطوب على أكتفاهم، لكنهم لم يفلحوا في جمع المبلغ المطلوب، فقال لأصدقائه: «يا جماعة أنتو روبن هوود ده بعمل مسح اجتماعي في المنطقة ولا شنو؟»، غير أن الحاجة أم جمعة بائعة «الطعمية» أطلقت زغرودة تعبيراً عن الفرح جعلت الجيران يطلون عليها من الحائط، وبعضهم دفعهم الفضول لزيارتها، فوجدوا أمبوبة غاز جديدة في الحوش ومعها بتوجاز متوسط الحجم، فقالت «شوفتوا هوود جاب لي شنو؟ أريتو ود السرور.. وبعد ده ارتحت من الفحم وغلبته.. والله كان جاء وأكل معاي طعمية مدنكلة ماله»؟ أما الحاج ضبعة فلم يصدق عندما وجد سريراً جديداً ومعه مرتبة اسفنج، فقال لأم الأولاد: «أتقول هوود عرف أن العنقريب المكعوج ده جاب لي غضروف»، فقالت زوجته: «خلاص فك مروقو السجمانة دي وسوها في الراكوبة»، فرد عليها سريعاً: «يا ولية راكوبة شنو كدي خلي يمكن المرة الجاية هوود يبدله لينا بسرير فيه إم. بي. ثري ومسجل». أما في قهوة المعلم رجب فقال حاج عثمان لأصدقائه: «انتو يا جماعة هوود ليه ما يترشح في دائرتنا.. علي الطلاق أكان اكتسح الانتخابات»، فيضحك المعلم رجب ويقول: «يا زول برلمان شنو.. ده بشيل من الأغنياء وبدي التعابة الزينا.. أنت عايزو يقعد في البرلمان ينتظر الميزانيات وطلب المقابلات».. يضحك حاج عثمان ويقول: «صدقت يا معلم كان واطتنا أصبحت» بيد أن الابن الصغير لحاج اللسودي وجد دراجة صغيرة في منزله، فقال لأصدقائه في «الضمنة»: «الولد كان فالقني كل يوم عايز عجلة.. أقول ليه دردق لستك وخلاص.. يقول لي ده زمن لساتك يا أبوي.. أه بعد ده بس راجين من هوود يجيب الاسبير»، أما الأوسطى حمد بعد أن وجد في منزله عدة شغل جديدة، أصرَّ على أن يعلق ورقة في الباب ويكتب عليها «الله يخدر ضراعك يا هوود».. لكن الشيخ عبد الستار صعد في منبر الجمعة وقال: «يا ناس حاجات روبن هوود دي كلها حرام في حرام، ولا يجوز التعامل معها.. يا ناس الفقران منكم يمشي ناس الزكاة وللا يصبر ويلزم الجابرة». وكان حاج حمد يتمتم بغضب حتى لفت إليه أنظار المصلين، وعندما خرج قال بغيظ «ده إمام شنو الحاسد ده، لخيرو ولا كفاية شرو.. ما يخلي الناس تحل مشاكلها.. هو الناس الشال منهم هوود ديل ما كلهم ناس هبر».. فيضحك المصلون ثم يرد عليه حاج عثمان بمكر قائلاً: «الهبر الهين ده يا أخوي.. ده ضبح القفا ذاتو».