إن أسابيع التفاوض بالقاهرة على أرضية ما يسمى بهتاناً بالمبادرة المصرية، لم تفعل أكثر من تبريد بركان الغضب الجماهيري مع المقاومة الفلسطينية، وإرباك الجبهة الداخلية الفلسطينية كما ذكر الكاتب المصري وائل قنديل وأنها كانت محاولة على اتجاه آخر لفض الاشتباك بين مناهضة انقلاب الثورة المضادة في مصر وليبيا، وبين مقاومة الاحتلال في غزة، وتوفير الغطاء لمغامرات المعسكر الداعم لواحد من مشاريع الثورات المضادة في ليبيا، ويقول قنديل إن المخرج القدير الذي يتحكم بالعرض في المنطقة قرر أن يخفف الإضاءة عن ليبيا في ذروة تأجج السؤال عمن قصف طرابلس بطائراته، وينقل الانتباه كله إلى غزة، خصوصاً أن الصهيوني قد أخذ قسطاً وافراً من الراحة على مرافئ التفاوض لاستئناف همجيته ووحشيته. ويوم أمس الاربعاء شيع آلاف الفلسطينيين في مخيم جباليا شمالي القطاع، جثمان وداد عصفورة، زوجة قائد كتائب القسام، محمد الضيف، وطفله علي، بينما ارتفع عدد غارات جيش الاحتلال منذ انهيار التهدئة إلى أكثر من «120» غارة استهدفت منازل مدنية، وأسفرت عن استشهاد «19» فلسطينياً. ولُفّ جثمانا زوجة الضيف وابنه بعلم حركة حماس الأخضر، وارتفعت خلال التشييع الأصوات التي تطالب الضيف، باستمرار المعركة ضد الاحتلال حتى يرضخ لشروط المقاومة. وتعهدت حماس على لسان المتحدث باسمها، سامي أبو زهري، لا يعود الإسرائيليون إلى بيوتهم في المناطق المحيطة بقطاع غزة، إلا بقرار من القائد الضيف. وأكد أبو زهري، أن الاحتلال سيدفع ثمن جرائمه في حق المدنيين. ولا يستطيع أي أحد التكهن بمستقبل الأوضاع في القطاع، ولا سيما أن محاولة اغتيال الضيف لا تمر لدى حركة حماس مرور الكرام، حتى وإن فشلت إسرائيل في النيل من الشبح الذي سعت إلى اغتياله لتحقيق إنجاز معنوي يمكنها من الذهاب إلى مفاوضات التهدئة من جديد من دون ضغط الميدان الصعب. وقد بات المشهد في قطاع غزة، مفتوحاً على كل الاحتمالات في ظل توسيع جيش الاحتلال عدوانه على الفلسطينيين. وذكرت إحصائية وزارة الصحة في غزة، أن حصيلة شهداء العدوان على القطاع وصلت إلى «2036» شهيداً، إلى جانب أكثر من عشرة آلاف مصاب، لا يزال كثيرون منهم يتلقون العلاج في المستشفيات الفلسطينية والعربية والتركية. في المقابل، واصلت كتائب القسام، إطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة والحشود العسكرية المحيطة في القطاع. وقصفت للمرة الأولى محطة استخراج الغاز الإسرائيلي في عرض بحر مدينة غزة، قبالة سواحل المنطقة الوسطى ، وتبنّت القسام قصف موقع كيسوفيم العسكري بقذيفتي هاون من عيار «120»، وكيبوتس نيرا سحاق بخمسة صواريخ قسام، وموقع رعيم العسكري بقذيفة هاون، وتجمع الجنود في منطقة إرسال الفراحين شرقي خان يونس بقذيفتي هاون من عيار «120»، كما قصفت موقعي إيرز العسكري ونتيف هعتسرا باثنتي عشرة قذيفة هاون. رغم أن المحللين السياسيين في غزة متفقون على أن جولة التصعيد الإسرائيلي الحالية ستبقى محدودة، وستنتهي بالعودة إلى المفاوضات مجدداً بعد تأكد الجانب الإسرائيلي من عدم القدرة على حسم الوضع عسكريّاً، لكن يبقى ان الصمت الدولي المتواطئ تجاه ما يجري في غزة والعدوان الذي وقع في ليبيا، يحتم على العرب الوقوف ضده لإفشال المخططات لنصرة غزة من جانب ودعم «فجر ليبيا» من الجانب الآخر.