وصلتني هذه الرسالة في بريدي الإلكتروني وإني إذ أنشرها في زمن استشرت فيه الفتن فإني آمل أن أضع قرائي أمام عقولهم: «بينما كان صلاح الدين سائرًا ذات يوم في بعض طرق مدينة بيت المقدس، قابله شيخ من النصارى كبير السن، يعلِّق صليبًا ذهبيًّا في رقبته، وقال له: أيها القائد العظيم، لقد كُتِبَ لك النصرُ على أعدائك، فلماذا لم تنتقم منهم، وتفعل معهم مثل ما فعلوا معك؟ فقد قتلوا نساءكم وأطفالكم وشيوخكم عندما غزَوْا بيت المقدس؟ فقال له صلاح الدين: أيها الشيخ، يمنعني من ذلك ديني الذي يأمرني بالرحمة بالضعفاء، ويُحَرِّم عليَّ قتل الأطفال والشيوخ والنساء. فقال له الشيخ: وهل دينكم يمنعكم من الانتقام من قوم أذاقوكم سوء العذاب؟ فأجابه صلاح الدين: نعم، إن ديننا يأمرنا بالعفو والإحسان، وأن نقابل السيئة بالحسنة، وأن نكون أوفياء بعهودنا، وأن نصفح عند المقدرة عمَّن أذنب. فقال الشيخ: نِعْمَ الدين دينكم، وإني أحمد الله على أن هداني في أيامي الأخيرة إلى الدين الحقِّ. ثم سأل: وماذا يفعل مَن يُريد الدخول في دينكم؟ فأجابه صلاح الدين: يُؤمن بأن الله واحد لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويفعل ما أمر الله به، ويبتعد عما نهى الله عنه. وأسلم الرجل وحَسُن إسلامه، وأسلم معه كثير من أبناء قومه. و«لكن»: يعتمد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف ب «داعش»، في التعامل مع مخالفيه ومن يستهدفهم، أسلوب «الذبح». فهو يجز رؤوس أسراه ومخالفيه، ويعتمد فى رؤيته الشرعية لذلك على أدلة أربعة من القرآن والسنة، اعتبرها إسلاميون فهماً خاطئاً لصحيح الدين. ففي الساعات الأولى من صباح أمس، أعلن «داعش»، في فيديو بثه أحد المواقع التابعة له، بعنوان «رسالة لأمريكا»، ذبح «جيمس فولي»، الصحافي الأمريكي، الذي خُطف في سوريا، وكان ذلك انتقاماً من أمريكا، بعد الضربات الجوية ضد مقاتليه في العراق، بحسب ما قال أحد عناصر التنظيم الذي ظهر في الفيديو، وذبح الصحافي. وفى بداية الفيديو، الذي تصل مدته إلى 5 دقائق، يظهر باراك أوباما، الرئيس الأمريكي، ويتحدث عن الضربات التي توجهها أمريكا ل«داعش» في العراق، ويعقبه ظهور «فولي»، في منطقة جبلية غير واضحة المعالم، وهو يرتدي زياً برتقالياً شبيهاً بالذي كان يرتديه سجناء معتقل «جوانتانامو»، المخصص للجهاديين، ويقف إلى جواره رجل ملثم، يتشح بالسواد، ويحمل على كتفيه سلاحاً، وفي يده سكين. وبدا «فولى» جاثياً على ركبتيه، وهو يوجه رسالة لأهله ب«الإنجليزية»، ترجمها الفيديو إلى «العربية»، قائلاً: «أطالب أصدقائي وعائلتي وأحبائي بأن يقوموا على الحكومة الأمريكية التي قتلتني حقاً، فمصيري نتيجة رضاهم بالجرائم، رسالتي إلى والدىَّ العزيزين: حافظوا على كرامتي، ولا ترضوا بتعويض ضئيل مقابل موتي من نفس الأشخاص الذين دقوا آخر مسمار في نعشي، بحملتهم الجوية على العراق، وأدعو أخي جون عضو القوات الجوية الأمريكية، فأقول: تذكر ما تفعله الآن، تفكر فيما تدمره من حياة بما فيها حياة عائلتك، أدعوك إلى أن تفكر فيمن قرر قصف العراق مؤخراً، وأمر بقتل هؤلاء الناس أياً كانوا، تذكر يا جون، من يقتل في الحقيقة؟ هل فكروا فيك أو في عائلتنا عندما اتخذوا قرارهم؟ لقد مت في ذلك اليوم يا جون، عندما قصف زملاؤك الناس بتلك القنبلة، لقد وقَّعوا على شهادة وفاتي، أتمنى لو كان أمامي المزيد من الوقت، كي أعيش حراً، وأرى عائلتي مرة أخرى، ولكن قد أبحرت تلك السفينة وفات الأوان، في نهاية المطاف أتمنى لو لم أكن أمريكياً». وخلال كلمته، ظهرت صور له وهو يرتدي ملابس الجيش الأمريكي. وعقب انتهاء «فولي» من كلمته، بدأ الرجل الملثم يتحدث بلكنة بريطانية: «هذا جيمز رايت فولي، رجل أمريكي من بلدكم، كنتم كحكومة في مقدمة العدوان على الدولة الإسلامية، مكرتم ضدنا وبحثتم عن أسباب لتتدخلوا في أمورنا، ونحن جيش إسلامي، ودولة رضي بها عدد كبير من المسلمين في العالم، فأي عدوان على الدولة الإسلامية في الحقيقة هو عدوان على المسلمين». وكان «فولي» مراسلاً حراً، شارك في تغطية الحرب في ليبيا، قبل أن يتوجه إلى سوريا لتغطية النزاع لصالح «جلوبال بوست»، ووسائل إعلام أخرى، كما زود وكالة «فرانس برس» بتقارير صحفية أثناء وجوده هناك، إلا أنه خُطف، في محافظة إدلب يوم 22 نوفمبر 2012، وانقطعت أخباره عن عائلته من وقتها، رغم انطلاق حملة واسعة للحصول على معلومات عنه من قِبل عائلته وأصدقائه وزملائه الصحافيين. واتهم «داعش»، على مواقعه الجهادية، «فولي» بالعمل في القوات الأمريكية، وأنه ليس صحافياً، موضحاً أنه مستمر في عمليات قتل الأمريكان. وفي بحث نشره «داعش»، على مواقع جهادية عن «مشروعية ذبح الأسرى»، استند إلى حادثة نحر الصحابي عبدالله بن مسعود لعمرو بن هشام «أبو جهل» في «غزوة بدر»، بعد أن وجده في الجرحى، حيث توجه برأس «أبو جهل» إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي كبّر ثلاثاً، وقال: هلك فرعون هذه الأمة، ولم يعِب على «ابن مسعود» نحر رقبة «أبوجهل». كما استند بحث «داعش» إلى الآية الرابعة من «سورة محمد»، ونصها: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ». ومن الأدلة التي استندوا إليها، أنه بعد نزول يهود خيبر على حكم الصحابي سعد بن معاذ، الذي حكم فيهم بالقتل على الرجال والمقاتلة. فقال الرسول: «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات». وكان يساق اليهود عشراً ليذبحوا. وآخر الأدلة التي استند إليها «داعش» في ذبح أسراه، حديث النبى صلى الله عليه وسلم لسادات قريش حينما قال: «لقد جئتكم بالذبح». فى المقابل، قال الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إن عمليات الذبح والقتل والتشريد التي يفعلها «داعش» مقصودة، وهي تهدف إلى تنفير الناس من الإسلام، وإبعاد العالم عنه، واستعدائهم للمسلمين. من جانبه، فنَّد صبرة القاسمي، منسق الجبهة الوسطية، الباحث في الحركات الإسلامية والجهادية، أدلة «داعش» لإجازة نحر الأعداء والأسرى، ومن يصفونهم بالصحوات من أهل السُّنة وهم المخالفون لهم من «السُّنة» الذين يقاتلونهم أو يمتنعون عن الدخول في طاعتهم. وقال «القاسمي»: إن «داعش» يسعى من خلال تلك الأعمال إلى نشر الرعب بين أعدائه والمخالفين له، مؤكداً أن فهم التنظيم لآيات وأحاديث الذبح مغلوط يشوبه خلل. وأكد «القاسمي» أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأسرى كانت الصفح. ورفض اقتراح عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حينما طالب الرسول بقتل أسرى مشركي مكة في «بدر». واستبشع الأمر وأخذ برأي «أبوبكر الصديق» بأخذ الفدية من القادر. وأن يُعلم غير القادر عشرة من صبيان المدينة».