ثلاثون عاماً من الحرب والقتال شهده الجزء الجنوبي من إقليم كردفان الذي كان يمثل كردفان الكبرى قبل أن يتجزأ إلى ولايات شمال وجنوب وغرب كردفان، والآن تبدو ملامح ولاية شرق كردفان قادمة، خاصة أن الجزء الشرقي الذي يعرف بالمنطقة الشرقية كان عاصمة لمديرية كردفان من مدينة تلودي، والمعايير التاريخية والديمغرافية ووفرة الموارد المتنوعة والرقعة الجغرافية المترامية الممتدة والتنوع القبلي والاثني، وتاريخ مملكة تقلي الاسلامية الحافل والوضع الاستراتيجي للشرقية امنياً واجتماعياً واقتصادياً ودعوياً يؤهلها أن تستقل ولاية بذاتها. وفي غمرة التسابق والتنافس الشديد الذي شهدته مؤتمرات الحزب الحاكم الولائية، وما كتب في الإعلام والصحافة أن ولاة الولايات استفادوا من مواقعهم بصفتهم حكاماً لتلك الولايات، فتصدروا قوائم مجموعة الخمس التي رفعت للمركز لاختيار مرشح الولاية والحزب لانتخابات 2015م، كان متوقعاً أن تشهد جنوب كردفان أشد أنواع التنافس والصراع بحكم أوضاعها المعقدة، لكن يحسب لحكومة جنوب كردفان بقيادة المهندس آدم الفكي أنها ضربت مثلاً يتحذى في هذا الجانب ونأت بنفسها عن التضييق على المرشحين، ووجه الوالي أجهزته بأن تتعاون مع كل أبناء الولاية، ويمكن لكل شخص أن يعبر عن رأيه بحرية، وهذا التوجيه أحدث انفراجاً مهماً خفف من التوترات والاستقطاب الحاد الذي شهدته ساعات ما قبل انعقاد مجلس الشورى ثم المؤتمر العام يوم الجمعة 12/8/2014م، والنزاهة في الإعداد والاقتراع والتعبير شهد بها الأخ محمد جمال وزير الدولة بمجلس الوزراء رئيس اللجنة الفنية العليا لمؤتمر جنوب كردفان الذي أكد من خلال حديث صحفي حين التقيناه عقب إعلان النتيجة، أن الممارسة تمت بصورة أرضت طموحاتهم في اللجنة الفنية، وأكد أنه يعرف جنوب كردفان جيّداً وقد وفد إليها أكثر من أربع مرات في مهمة رسمية، مشيراً إلى أن الممارسة تمت وفقاً للمعايير التنظيمية التي أقرها المركز. وبالنظر إلى أحوال المرشحين الخمسة الذين تم اختيارهم من قبل المؤتمر العام، فهو من الأهمية بمكان لأجل مصلحة البلاد ومصلحة الولاية، ومن باب الجرح والتعديل لا بد أن نقول رأينا صراحة في مدى قدرة كل واحد منهم على إدارة شؤون ولاية ذات تحديات كثيرة يعرفها القاصي والداني، فإذا بدأنا بالأخ رئيس المجلس التشريعي الهادي عثمان أندو نجد أن تجربته في الإلمام بشؤون الولاية قصيرة المدى وضعيفة، فهو من منسقية الدفاع الشعبي جاء مباشرة لرئاسة المجلس التشريعي بعد صدمة غياب «إبراهيم بلندية» المفاجئ الذي اغتالته أيادي الغدر الآثمة، جاء الهادي بمبادرة أحمد هارون التي لم تجد مقاومة ونقداً موضوعياً، ولذلك فشل الهادي أندو في إدارة المجلس التشريعي الذي يعد من أضعف المجالس التشريعية الولائية، وقد كتبت عن ذلك كثيراً وضربت أمثلة من نماذج ضعفه.. إما المرشحون الثلاثة الآخرون سلمان الصافي ومركزو ود. علي موسى، فسلمان ومركزو رغم حضورهما الطاغي هنا في المركز وخاصة مركزو، فإن وجودهما في الولاية من ناحية قواعد وجود اسمي ورمزي غير فاعل، وليس لديهما من القواعد والقبول والتأييد ما يشفع لهما، واما د. علي موسى فهو وافد جديد على مشهد الولاية، وهو أقرب إلى النخبة والمثقفين من نبض الجماهير، كما أن المرشحين الثلاثة ضعاف في صياغة الخطاب الجماهيري والتعبوي والقدرة على التواصل مع الجماهير، وإيصال رسائل الخطاب السياسي في ولاية لا بد فيها من توفر قائد بملامح خطابية واضحة قادر على تفهم المشهد الثقافي والاجتماعي هناك، وذو شخصية حازمة حاسمة ملم بملف الولاية إلماماً يمكنه من التعامل بحكمة وحنكة ودراية. وإذا قيمنا تجربة الوالي آدم الفكي الذي جاء مكلفاً بعد ذهاب احمد هرون الذي ترك بالولاية تركة ثقيلة من الديون وفوضى في الوظائف العامة والخدمة المدنية، ومحليات ومناطق بأكملها في قبضة التمرد رغم آلته الإعلامية الصاخبة التي كانت تخفي كثيراً من الحقائق.. إذا قيمنا تجربة آدم الفكي القصيرة نقول بكل صراحة وأمانة إنها كانت تجربة ناجحة حققت ما أخفق فيه أسلافه منذ 1994م، حيث نجد الرجل قد نجح في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني الذي جعل القوى السياسية في الولاية تنخرط في تعاون حقيقي مع حكومته لأول مرة، فشاركت في الحكومة والحوار، ولعل إعلانها قبل ثلاثة أيام أنها اتفقت مع مفوضية الانتخابات على إجراء انتخابات حرة ونزيهة خير دليل على هذا التعاون في إطار الولاية، وهذا الاستقرار السياسي انعكست نتائجه على جميع النواحي الاجتماعية والتنموية، الأمر الثاني نجحت حكومة آدم الفكي في تحقيق الاستقرار الأمني حيث حررت أكثر من خمسين منطقة بالتعاون مع القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، والسر في هذا النجاح احترام الوالي الفكي لمهنية القوات المسلحة وعدم تدخله في الشؤون الفنية العسكرية، ولعل كثيراً من معاركنا في الميدان سواء أكانت في جنوب كردفان أو النيل الأزرق أو دارفور هزمتها القرارات السياسية التي تدخلت في الشأن العسكري.. وبعد تحرير مناطق واسعة في جنوب كردفان تمكنت القوات المسلحة من الإمساك بزمام المبادرة وصارت هي من تهاجم، وقد كانت تدافع من قبل في أيام هارون، وتتساقط المدن والمحليات والقرى من بين يديها لصالح التمرد، ومضت حكومة آدم الفكي في مبادرة بناء الثقة والحوار من الداخل الذي أقنع كثيراً من حاملي السلاح بالعودة إلى الحياة المدنية، ووجدوا ترحيباً وتقديراً من قبل الحكومة، وفي المقابل نتيجة الاستقرار السياسي والأمني الذي أشرنا إليه انطلقت مشروعات التنمية العملاقة في الولاية، فلأول مرة تمت زراعة «6» ملايين فدان في الولاية، ولأول مرة دخلت الكهرباء القومية أرض الولاية، وأمنت الكثير من الطرق والمواقع الإستراتيجية بفضل القوات المسلحة بعد فضل الله تعالى فانسابت حركة التجارة والمواطنين والرعي والزراعة وشعر الناس هناك بالامان، وسعت حكومة الفكي إلى حصر المظاهر العسكرية في منسوبي القوات المسلحة والقوى النظامية الأخرى، في ما عرف بمبادرة تطبيع الحياة المدنية، ونجحت هذه المبادرة بصورة ملموسة في مدن الولاية، واتسعت الرقعة الأمنية وعادت الحياة إلى خدمات التعليم والصحة والطرق، وأحيت حكومة الولاية لأول مرة أيضاً قيمة مشروع النفير المجتمعي بصورة معاصرة حققت نتائج ملموسة في المنطقة الشرقية ومحلية دلامي في المنطقة الغربية، لذلك نقول بكل صراحة إن حكومة آدم الفكي رغم التحديات وقصر عمرها استطاعت أن تحقق الكثير، وامتاز الوالي بقدرته على إنتاج المبادرات، ويتمتع بسهولة الخطاب السياسي وشموليته وقوة الإقناع وترتيب الأفكار، وابتكار الحلول الناجعة، ولديه قوة شخصية في القيادة والإدارة، وأسعفته تجربته الطويلة في الولاية منذ أيام إقليم كردفان من خلال كونه كان مديراً تنفيذياً لهيئة السلام والتنمية، ثم رئاسة اللجان الشعبية، ثم منظمة الدعوة الإسلامية، والحركة الإسلامية، والدعوة الشاملة، والأمين العام لمجلس حكماء جنوب كردفان، ونائب رئيس الحزب للتنظيم، ومعتمد محلية كلوقي، ثم والياً للولاية.. كل هذه المواقع وغيرها صقلت تجربته وخبراته، ولذلك هو الآن أكثر تواصلاً مع فئات الولاية المختلفة، ويتمتع بدعم القوى السياسية الأخرى في الولاية، وله قدرة على صياغة الخطاب السياسي الوفاقي، فقد استطاع تفعيل دور الإدارة الأهلية ليجعلها قادرة على العطاء، وسن لها قانوناً جديداً أجازه المجلس التشريعي، وهو من بين هؤلاء الإخوة المرشحين الخمسة يملك شبه إجماع عليه من مكونات الولاية المختلفة، وتلك صفة لا تتوفر لغيره، وبدأت حكومته مشروعات عملاقة يتطلب الأمر بقاءه لأجل انجاز هذه المهمات الشاقة، وأي مرشح آخر سواه يمكن يفقد الحزب الحاكم مقعده في الولاية في الانتخابات القادمة، ولا يستبعد الدفع بمرشح مستقل من جهة ما يلقي دعماً قوياً في مواجهة مرشح المؤتمر الوطني حالة غياب آدم الفكي عن مشهد الولاية السياسي.