أدت السيدة فاتو بنسودا المدعي العام للمحكمة الدولية بتصريح مفاده أن الاتهامات التي وجهت لبعض المسؤولين السودانيين وعلى رأسهم المشير البشير لم يترتب عليها القبض على أي واحد منهم وتقديمه للمحكمة رغم مرور عدة سنوات على صدور تلك القرارات. وظاهر التصريح يشير لأن من أدلت به أُصيبت بحالة من اليأس ولكن باطنه يؤكد أنها تحرض مجلس الأمن لاستنفار الآخرين وكل الموالين لهم للقبض عليهم وتسليمهم لمحكمتهم المزعومة وهي محكمة سياسية في المقام الأول والأخير وتكيل بمكيالين. وإن في التصريح التحريضي المشار إليه دس للسم الزعاف في الدسم وفيه عتاب ناعم لمجلس الأمن لاحساس من أدلت به بأنه تعامل بنعومة ولين مع المطلوب القاء القبض عليهم. وإن التصريح الناعم فيه دعوة مبطنة للتسريع بالقبض عليهم (وإذا رأيت نيوب الليث بارزةً فلا تظنن أن الليث يبتسم!!) وإن اختيار التوقيت الذي أطلق فيه التصريح المسموم الخبيث لم يأتِ عفواً وعرضاً ولكنه جاء في وقت أُصيبت فيه كل القوى الأجنبية باليأس بعد وصول المفاوضات بين وفد الحكومة ووفد القلة المتنفذة في قطاع الشمال لطريق مسدود وكانت تؤمل في فرض قطاع الشمال ليكون شريكاً في كافة أجهزة ومؤسسات الحكم ويصبح برنامج السودان الجديد العلماني الذي ترعاه وتتبناه هو الترياق المضاد لبرنامج الإنقاذ وتسعي لإضعافه توطئة لهزيمته وإزاحته تدريجياً. وكانت هذه القوى الأجنبية تنتظر أن يفضي الحوار الوطني المزعوم لنظام حكم انتقالي تعقبه انتخابات عامة حرة تنفق عليها تلك القوى الأجنبية عبر سفاراتها ووكلائها بسخاء لتعيد الأمور لمربعات سابقة. ولعل تلك القوى الأجنبية أدركت أنها تراهن على السراب وماء الرهاب وأن النظام الحاكم يمضي قدماً في إجراء الانتخابات العامة ويسعي لاكتساب شرعية دستورية في الدورة القادمة ولعل لسان حال تلك القوى الأجنبية يردد (كأننا يا طير لا رحنا ولا جئنا) ومن هنا يأتي سعيهم لتشديد العقوبات الاقتصادية وغيرها على السودان ودعم المتمردين للاستمرار في حرب العصابات ليظل السودان في حالة عدم استقرار وهم يسعون ما وسعتهم الحيلة والمكر لتقسيم السودان لعدة دويلات وهم يدركون أنه زاخر بإمكانات مادية هائلة وثروات ضخمة زراعية ومائية ونفطية ومعدنية.. الخ ولو تركوه مستقراً لأضحى مارداً اقتصادياً ورقماً هاماً وهو مؤهل ليكون سلة غذاء العالم العربي ومن سلال الغذاء في العالم. وإن الإعلان عن انفتاح المستثمرين العرب عليه في الفترة القادمة لاسيما المملكة العربية السعودية قد غاظهم وأشعل نار حقدهم وحسدهم. وعندما أعلن اوكامبو المدعي السابق للمحكمة المزعومة قرار إلغاء القبض على الرئيس البشير سيادته عائداً من شمال أم درمان وبعد إذاعة القرار خرج كافة سكان الأحياء التي مر بها واستقبلوه استقبالات حارة تدل على رفضهم للقرار لأن رأس الدولة (أياً كان اسمه) هو رمز لسيادة الوطن وعندما افتتح سد مروي في اليوم التالي لذلك الإعلان كانت الحشود في ذلك الاحتفال تهتف (السد السد الرد بلسد) وبغباء يحسد عليه أصبح أوكامبو هو أمين التعبئة المساند للبشير في الانتخابات الرئاسية السابقة. والآن فإن الجميع يقفون صفاً واحداً ضد أي محاولات استعمارية جديدة لتضييق الخناق على هذا الوطن ويرفضون أي ضغوط أجنبية منطلقين في ذلك من حبهم لوطنهم الذي يدافعون عنه باستماتة وهم يفعلون ذلك من أجل السودان الوطن الغالي الذي يتصارع فيه الحاكمون والمعارضون حول كراسي السلطة. وإن للمواطنين وقواعدهم العريضة حق على النظام الحاكم لأنهم ظلوا هم جمل الشيل وحمالين التقيلة الصابرين على البأساء والضراء والواجب يقتضي الاهتمام بقضاياهم ليعيشوا حياة حرة كريمة والمؤسف أن البعض لا يشغلون أنفسهم بهذه القضايا الهامة ولا تؤرقهم التحديات والتحرشات الأجنبية التي تحيط بالوطن وتشغلهم حالياً صراعات حادة وسطهم حول اختيار المرشحين في الدوائر الانتخابية وكل منهم يحس بأنه أولى من غيره وإذا فاته الاختيار فإنه يصاب بالغبن فمتى يترك هؤلاء الدوران حول ذواتهم وتقديم مصالح الوطن العليا على هذه الصغائر.