قد يرزق المرء لامن فضل حيلته ويصرف الرزق من ذي حيلة الداهي حكايات الأرزاق كما أسلفنا كثيرة، منها الحكيم والطريف والبليغ، ولكل منا حكايات مثلها، وجميعها تنطق بأن الأرزاق بيد الله.. فلنجعها حلالاً.. بل إن من أثر السلف الصالح ما يحض على ذلك من وقائع حدثت، منها على سبيل المثال ما يروى عن الإمام علي كرم الله وجهه في شأن غلام سرق لجام فرسه، وهي تقول: همّ الإمام علي كرم الله وجهه بدخول المسجد ليؤدي الصلاة، فأسلم فرسه لغلام قرب باب المسجد ريثما يصلي ولكنه حينما خرج لم يجد الغلام، بل وجد الفرس ولكن بدون «لجام» وكان الإمام ينوي أن يكافئ الغلام بدنانير على تلك الخدمة. فأرسل الإمام بهذه الدنانير من يتشري له لجاماً بديلاً للمسروق، لكن المفاجأة كانت أن عثر المرسال على نفس اللجام واشتراه بذات السعر، قال الإمام علي: لو صبر هذا الغلام لتحصل على هذا المبلغ حلالاً. والحراك والعراك اليومي من أجل لقمة العيش أو الحصول على غني أو جاه إنما تكمن وراءه قاعدة تقول ما كان سيصيبك فلن يخطئك، والعكس صحيح أيضاً. من حكاياتنا الشعبية طرفة لها عدة دلالات منها حكاية: ضيف الله يقال إن رجلين أرهقهما السفر الطويل في البداية وقد خلص الزاد والماء فقصدا قرية في الطريق. وفي أول القرية بيت لرجل يبدو أنه من الأثرياء، وصل الرجلان وكل منهما على ظهر بعيره وقد أسدل الليل ستوره ونباح الكلاب أيقظ صاحب الدار فسأل: منو البره؟ ردّ عليه أولهم: نحن ضيوف فسألهما الرجل: ضيوف منو إنتو الجايين في وكت زي ده؟! ردّ أحدهم: ضيوف الله. فرد صاحب الدار: ضيوف الله.. امشوا على الشجرة البعيدة ديك شجرة الله. وبما أن الرجل الآخر والذي كان عطشاناً وجائعاً ومرهقاً وقد أخذ منه الرهق ما أخذ.. ووجد في رد زميله ما لا يحل له ضائقة حسب اعتقاده.. فسارع ورد على صاحب الدار: أنا ضيفك إنت يا شيخنا. فناداه صاحب الدار: أدخل أنت جوه الديوان. هنا أناخ هذا الرجل بعيره أمام الديوان وأدخل متاعه وجرابه الخاوي معه ورقد بالعنقريب.. ليرتاح وينعم بالضيافة وبدأ يحلم بأنه سيروي ظمأه ويسكت جوعه. أما «ضيف الله».. فقد توكل صامتاً وذهب لشجرة كبيرة أمام تلك الديار وأناخ هناك بعيره ثم توسد جرابه وجعل من الأرض لحافاً.. وغط في نوم عميق حتى يحين الصباح وفجأة أحس «ضيف الله» النائم تحت الشجرة بأن هناك من يوقظه فرفع رأسه.. فإذا بها الخادمة وقد جاءت بصينية طعام.. صحى الرجل من نومه مستغرباً.. ودنا من الطعام.. وقبل أن يكشف الطبق رأى الخادم تحمل من بعيد إناء الماء ومعه الشاي. أكل ضيف الله حتى شبع.. ثم أروى ظمأه.. وشرب الشاي واحتفظ بباقي الزاد في جرابه وتزود أيضاً بالماء عله ينفعه في مسيرة يومه التالي. ثم جاءت الخادمة ثانية وحملت معها الأواني مفرغة تماماً. ظل ضيف الله تتابعه الهواجس واسلم نفسه للتخمينات.. لماذا يا ترى تصرّف صاحب الدار مثل هكذا؟ وما شأن صديقي ورفيق دربي ضيف صاحب الدار.. هل يا ترى أكرم ضيفه كما جاءني بنفس هذا العشاء؟ ما السر في ذلك؟ لم يدم الرجل في أفكاره طويلاً.. فقد كان الأعياء وتعب السفر أقوى فغلبه النوم فنام. وشعر الرجل «ضيف الله» بأنه لم ينم طويلاً.. حينما أيقظته الخادم في الصباح الباكر.. فهب جالساً من مرقده.. فوجد صينية «مدنكلة» فيها شاي باللبن ولقيمات ومعها أيضاً القهوة. واحضرت الخادم بعد ذلك الماء ولزوميات الوضوء والصلاة. ظل ضيف الله في نعمة حينما بات ليلته واستيقظ صباحه. ثم جاءته المفاجأة والإجابات لما كان يفكر فيه مساءً وهو يتناول عشاءً عبارة عن لبن حليب برقائق الخبز الحارة في تلك الليلة الباردة. جاءه رفيق دربه يسعى وهو يقود بعيره.. ووجهه عبوس.. لم يفارقه الإعياء ويبدو أنه لم ينم تلك الليلة وكان من فرط الغرابة أن توقف «ضيف صاحب» الدار واجماً وهو يرى آثار النعمة على حال «ضيف الله» حتى أنه لم يبق له إلا ان يسقي بعيره ويعلفه، بل إن ضيف صاحب الدار رأى صينية الشاي ما زالت تنعم بباقي الشاي واللقيمات والفرشة مفروشة وآثار الوضوء والصلاة.. لم يكن الأمر يحتاج لطول سؤال ولم تدم الدهشة طويلاً التي كانت تسبغ على ضيف صاحب الدار وتمتزج بلهجة الغضب وهو يظن أن صاحب الدار قد خدعه.. فقال لصاحب الدار الذي جاءه مسرعاً ليودعه: أنا قلت ليك أنا ضيفك.. اتغشيت فيك تبيتني القوى.. جيعان وعطشان.. وتعشي زميلي؟ هنا اندهش صاحب الدار.. ونادى الخادم فقالت: إنها حينما حملت العشا ظنت أن الضيف المقصود هو الذي يرقد تحت الشجرة.. لذلك فعلت ذلك وكررت الضيافة في اليوم التالي عند الصباح حينما أحضرت الشاي. ضحك صاحب الدار.. وقال لضيفه: الله عشا ضيفه.. وكلنا عبيد الله هو الذي يطعمنا ويسقينا ويعشينا. وبعد ادخل الأسواق عزيزي القارئ وستجد الصراع محتمداً من أجل الرزق، ونعلم أن كثيرين لا يتوخون الحيطة والحذر في الحلال والحرام وأدخل أسواق العمل جميعها، بل وفي كل مواقع الرزق ستجد الصراع أيضاً فما من اثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك أو أدنى إلا وهم يحتدمون أو يتفقون أو يتعاقدون أو يختلفون أو يتقاضون أو يتشاكون أويحتربون أو ينقسمون أو يتكتلون أو يتآمرون أو يتحاببون.. وهي التي يقول الله سبحانه وتعالى في شأنها: «الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع» الآية «26» الرعد صدق الله العظيم