أعتذر أولاً للقرَّاء الكرام عن احتجاب عمودي يوم الخميس الماضي نسبة لسفري إلى مسقط رأسي عطبرة الحبيبة إلى النفس، ولا بأس أن أتحدَّث عن الطريق الذي تملأه الشاحنات الفارغة المتوجّهة إلى بورتسودان، والمليئة بالبضائع التي تأتي من بورتسودان الأمر الذي يدل على أن السودان دولة مستهلِكة ومستهلَكة في آن!! وقبلها بيومين قرأت في لقاء مع وزير الزراعة يُبشِّر فيه بتصدير الذرة بينما يعاني السودان عجزًا في مادته الغذائية الأولى، وعن مشروع الجزيرة الذي تفادى الحديث عنه في الحلقة الأولى، ولكنه في الحلقة الثانية من اللقاء، جاء ليقول إن مشروع الجزيرة يمثِّل الإنتاج الأفضل في العالم حسب شهادات الفاو والإيقاد وغيرها!!.. كفاءة أي مشروع زراعي تعتمد على كفاءة الري بشكلٍ كبير، وهذه متدنية جداً في المشروع، عمليات الردم في قنوات المشروع قلَّلت من كميات المياه المطلوبة، وصيانة القنوات لا تتم بالطريقة الهندسية المطلوبة قديمًا حين كانت القنوات تعمل بالصورة المطلوبة كانت تجري كميات من المياه يبلغ حجمها ثلاثة وثلاثين مليون متر مكعب في اليوم، أرجو من السيد وزير الزراعة أن يتحدَّث عن الزراعة بالأرقام وليس بالكلام، كما أرجو أن يتقدَّم للصحافة والمواطن بالمعلومات المشفوعة بالأرقام ويبيِّن لنا كم من الأمتار المكعبة من المياه تجري اليوم في مشروع الجزيرة، وكم من المحصول مقابل هذه الكمية من المياه، أي كم أنتج مشروع الجزيرة مقابل كم متر مكعب من المياه؟ وبعد أن تم إصلاح القنوات كما يدعي ما حجم المياه اليومي الذي يجري فيها..إن وزارة الزراعة حين تتحدَّث يجب أن يكون حديثها مسنوداً بالأرقام والإنتاج، أما الحديث الفارغ عن الوفرة والتصدير في وقتٍ ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية بجنون بجانب الإنتاج الوهمي الذي يتخيّله وزير الزراعة بطريقة «حشاش بي دقنو» فهذه الطريقة لم تكن حلاً لأزمة!!.. هناك من طالت «كنكشتهم» في الكرسي بحيث يصبح الموت هو الحل الأمثل لحالاتهم وأقصد بالموت «الموت الطبيعي الذي هو نهاية كل إنسان» والمولى عز وجل خلق آدم عليه السلام ليكون خليفته في الأرض ورغم ذلك استشار الملائكة في هذا الاختيار وقد دار حوار بين المولى عز وجل في هذا الأمر، وقدم الملائكة أنفسهم كمنافس لآدم عليه السلام.. وقدم الملائكة ما يدعم قولهم «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك» لكن المولى عز وجل الذي يعلم ما لا يعلم الملائكة والإنس والجن قدم لهم البرهان على اختياره لآدم من دونهم «وعلم آدم الأسماء كلها» ما هي هذه الأسماء؟.. يمكنني الاجتهاد والله أعلم بأن الأسماء المقصودة هي علوم الأرض التي أراد المولى عز وجل أن يستخلف آدم عليها فالمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق آدم عليه السلام لن تكتمل إلا بمعرفة أسرار ما استخلف عليه، وهذا علم لم يتعلمه الملائكة لذا استسلموا للحجة الإلهية الدامغة «سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا». وإذا طبقنا القاعدة الإلهية على هؤلاء «المكنكشين» لوجدنا عدم تطابق أرضي تعدى إلى درجة التنافر بين المنصب وشاغله، فهؤلاء «المكنكشين» ينتقلون من وزارة إلى أخرى ومن منصب لآخر دون أن تكون لهم أية فكرة عن علوم الوزارة أو المنصب الذي يتقلدون في منافاة واضحة للقاعدة الإلهية التي وضعها المولى عز وجل حين أراد للإنسان أن يُستخلف فيها!!. ورغم كل ذلك «هي لله»!! أي لم يكتفِ المكنكشون بفرض أنفسهم على العباد وذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير!!.. دار كل هذا في ذهني وأنا أقود السيارة في الطريق وتتخطاني البصات السياحية والحافلات بسرعة مهولة، رغم أن المسموح لي سرعة تسعين كيلو مترًا في الساعة وهي أقصى سرعة لسيارة خاصة، والشاحنات تسير نحو الميناء فارغة وخاوية على عروشها تندب صادر السودان من المحاصيل الذي يقول «حشاش بي دقنو» عن الإمكانات الهائلة للتصدير!!.. استوقفني شرطي الحركة دونما أية مخالفة أرتكب، سأل عن رخصتي ورخصة السيارة بعد أن وجد أن رخصة قيادتي سليمة سأل عن رخصة السيارة وأخذت هذه المعاينات وقتاً طويلاً؛ لأنه يوقف كل سيارة، ولا أدري لماذا هذه المضايقات وضياع الزمن، فالسيارة المرخصة يمكن معرفتها دون تعطيل المسافر، ولكن الترخيص الجديد لا يدل على ترخيص السيارة، كان الاستكر يوضح هذا بجلاء، وشرطي المرور في الطرق القومية هو الآمر الناهي، فهو يقف في الشارع وعلى قناعة تامة أن كل سيارة تمر ليست مرخصة وأن كل سائق ليست لديه رخصة قيادة، فالجميع لديه «متهمون» ما لم يثبتوا هم براءتهم، يحدث هذا أربع وعشرين ساعة في نقطة عبور العواتيب!. وإذا حدث أن كنت لا تحمل رخصة قيادة أو كانت غير مجددة فإن عليك دفع الغرامة، وتواصل الطريق فالغرامة بمثابة رخصة تعطيك حق القيادة، لتمتطي السيارة بكل حرية وبدون رخصة هذه المرة!!.. إذن المطلوب هو الغرامة وليس الرخصة، ولست أدري إن كانت الإيصالات التي تقدم هي الإيصالات طيبة الذكر المعروفة بأورنيك «خمسطاشر» فالكل أصبح جابياً بالطريقة التي يُحب. ما ذنب المسافر الذي يحمل كل الأوراق الرسمية والتي تخول له قيادة سيارة ليضيع وقتاً طويلاً بسبب شرطة المرور المغروس في ذهنها إن كل سيارات السودان ليست مرخصة مع العلم أن ميزانية الوزارة تعتمد أساساً على ترخيص السيارات التي يدفع فيها المواطن المبالغ الضخمة والمفروض عليها دعم الشرطة وإشارات المرور التي تقدم بالثمن كل ترخيص جديد!!.. ما قانونية هذا الإجراء؟ وهل لشرطي المرور صلاحية إيقاف أية عربة في الشارع؟! وإذا كانت له هذه الصلاحية فهل تعتبر الغرامة التي يدفعها وهو لا يحمل رخصة القيادة هل هذه الغرامة تمنحه الحق القانوني للقيادة؟ أعتقد أن في هذا خرق للقانون ليس من قبل المواطن فحسب بل من قبل شرطة المرور أيضاً.. لماذا تضع شرطة المرور نفسها في هذا الموقف، وهي التي تُرشد وتؤمِّن للمواطن سلامته على الطريق، فهي التي منوط بها خدمة الشعب وهو شعار يقابلك في أي نقطة شرطة على مدار البلاد!!.. أرجو من قيادة الحركة تبرير ما يجري إن كان هناك تبرير!!.