مهما كان بشأن تصدير نفط دولة جنوب السودان عبر السودان فإن كل الناس تتفق على أن خطوة إيقاف إنتاجه ليست مناسبة في هذا الاتجاه اتجاه نشوب الخلافات حول مسألة تصديره بين الدولة المنتجة والأخرى التي يمرّ عبرها الخط الناقل له وهي السودان طبعاً.. خطوة إيقاف الإنتاج لا علاقة لها بمعالجة أية مشكلة في صعيد الدولة المنتجة من ناحية حسابية.. فتوقُّف الإنتاج يعني توقُّف «العائدات» طبعاً.. واستمراره يعني أن تستمر العائدات بعد خصم نسبة العبور عبر السودان.. ومعلوم أن دولة الجنوب هي أحوج ما تكون لعائدات النفط، فهي دولة جديدة استقلت عن جمهورية السودان بعد ست سنوات من توقُّف حرب «تقرير المصير» التي امتدّت قرابة ربع القرن، ولذلك حتى لو كانت رسوم العبور بنسبة خمسين بالمائة من العائدات، فهي أفضل من الزهد في الخمسين بالمائة الأخرى، دعك من أن تكون نسبة هذه الرسوم ثلاثة وعشرين بالمائة، وهي النسبة التي حسبتها حكومة السودان وأعلنت في نوفمبر عام 2011م أنها ستستقطعها من صادرات دولة الجنوب التي تمر عبر أراضي السودان. لكن إذا اتفقت دولة جنوب السودان أيضاً مع الناس على أن قرار إيقاف إنتاج النفط أسوأ بالنسبة لها من دفع ثلاثة وعشرين بالمائة من عائد الصادرات البترولية لحكومة السودان، فالسؤال: ما الذي منعها أن تتواضع مع الخرطوم لمحاسبة نسبة تكلفة رسوم العبور والمعالجة والتصدير عبر ميناء بورتسودان؟!. هل ترى أن استفادة السودان من رسوم العبور أسوأ وأدهى لها وأمرّ من انهيار اقتصاد الشعب الجنوبي أكثر مما هو عليه الآن؟! إذا كانت حكومة الحركة الشعبية في جوبا تحسب أن حكومة السودان أفضل لها أن تقبل بالنسبة المفروضة عليها والتي حدَّدها الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم أفضل لها من أن تفقدها تماماً على طريقة المثل القائل: «المال ثلثه ولا فقدانه».. «المال تلتو ولا كتلتو» فإن المتضرِّر الأشد من مخالفة هذا المثل هو شعب الجنوب، ولا أقول الحركة الشعبية فإن قادتها لا يتضررون من انهيار اقتصاد بلادهم حتى ولو أصبحت أسوأ من الصومال قبل حكومة شيخ أحمد شريف، فقادتها يتنعمون بالمنح الأجنبية في أسوأ صور الفساد، بعد أن تنعّموا بعائدات البترول، ويشير تقرير دولي إلى اختفاء خمسمائة مليون دولار من خزينة إقليمجنوب السودان فترة السنوات الست التي سيطرت عليه فيها بصورة مطلقة الحركة الشعبية قبل أن يصبح دولة مستقلة تحكمه أيضاً هي الآن.. إذن حتى الذي تستكثره حكومة جوبا على السودان من استحقاقات رسوم عبور النفط ليس لصالح شعب الجنوب وإنما لكي تصب في بحر الفساد الذي تدفقت فيه خمسمائة مليون دولار من خزينة الشعب.. لكن هل نقول لعدم وجود مراجع عام؟! لا داعٍ طبعاً ما دام في كل عام يفيدنا المراجع العام في الخرطوم بتقرير يتحدَّث عن اختفاء المليارات، ترى بماذا سيفيد مراجع عام هناك بالطبع سيكون موالياً للحركة الشعبية؟! فلا معنى له هناك إذن.. ولن يكون تعيينه في صالح السودان عند المقارنة بين حالات الفساد هنا وهناك، سيكون تقرير المراجع العام في جوبا على طريقة نتائج الانتخابات هناك. المهم في الأمر هو أن دولة جنوب السودان لا يمكن أن تكون قد أوقفت إنتاج النفط لمجرد مطالبة السودان بالحقوق المستحقة في عبوره ومعالجته وتصديره عبر مياهه الإقليمية، فالعملية الحسابية واضحة، لكن هناك على ما يبدو مؤامرة «غربية صهيونية» تتغطى بالخلافات حول رسوم العبور تحاك لتحويل استثمارات النفط من الشركات «الشرقية» وأهمها الصينية لصالح شركات أمريكية وإسرائيلية.. والسبيل الوحيد لإنجاح هذه المؤامرة «الاستثمارية» هو إيقاف إنتاج النفط ومن ثم إنهاء العقود مع الشركات «الشرقية».. بعد ذلك يمكن أن تضيف واشنطن استئناف عبور النفط بسعر رسوم أفضل من الذي اقترحته الحركة الشعبية إلى شروط تطبيع العلاقات مع الخرطوم، وطبعاً حكاية تطبيع العلاقات هذي هي مفتاح مواقف السودان وقراراته وتنازلاته لدى واشنطن كما ترى الأخيرة.. إذن ربما يكون إنتاج النفط وعبوره عبر السودان مرة أخرى بتغيير المستثمرين.. لكن هل هذا فات على الخبراء الدوليين الذين قالوا قرار وقف النفط انتحاري؟!. نلتقي الثلاثاء بإذن اللّه..