(1) يقول عرّاب الحركة الإسلامية المعاصرة الدكتور حسن الترابي، إنّ الحركة لا ترهن نفسها لاسم ولا ظرفٍ تاريخي مُحَدّدٍ ولا... ولا... تأسيساً على هذه الفلسفة، تعدّدت أسماؤها وكان آخرها "أسماؤهما" المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، الأول حاكمٌ، والثاني مُعارض (نُص مَكَنَة) وفي كل الأحوال كانت تجربة الحركة الإسلامية في الحُكم طَويلةً وعَميقةً وغَريبةً (نحن هنا لسنا بصدد التقييم لهذه التجربة، إنّما بصدد توصيفها)، ولَعلّ أخطر ما في هذه التجربة هو اندغامها في دولاب الدولة فأصبحت مسؤولة عنها، فالدولة في عهدها تضعضت وتجهجهت وماجت ولاجت، وكادت أن تنفرط حَبّات عقدها (التّقييم فَرَضَ نفسه) وبالتالي كان لا بُدّ من أن يصيب الحركة مَا أصَابَ الدولة من تضعضعٍ وجهجهةٍ ومَورانٍ (هذه من تَمُور) لأنّهما روحٌ واحدةٌ في جسدين! (1) * الآن – (الرّسم بالكلمات)، جاءت قرارات الجمعة الأخيرة لكي تفلفص وهذه من فلفصة وهي تعني تَخليص الشيء بالمُباصرة والشدّة معاً، تفلفص الدولة من يدي الحركة وإن شئت العكس، فهو أيضاً صحيحٌ، فرئيس الجمهورية قَالَ إنّه سَيقف عَلَى مَسافةٍ وَاحدةٍ من القُوى السِّياسيَّة كَافّة في حالة الحوار، ثُمّ أخرج كل الولايات من قبضة الحزب الحاكم وحتّى الذين عيّنهم حتى الآن نائباً أول ورئيس وزراء وبعض الوزراء تعييناً مُؤقّتاً إلى حين التكوين النهائي، أو تعييناً نهائياً لم يُشاور فيهم الحزب الوطني، ومن المُتوقّع أن تسير بقية التّعيينات على ذات المنوال، فإذا كان ذلك كذلك، فهذا يعني أنّ حزب المؤتمر الوطني قد جاءته الفُرصة لكي يفطم من الدولة هذا الفطام الذي لم يكن في عامين بل في ثلاثين عاماً, عليه أن يُرحِّب به لأنه لو سقط مع الدولة سوف يرى – نجوم النهار – لا بل عليه أن يكون مُستعداً على أن يفرغ كُلّ ما في جوفه من مال الدولة طَوعاً أو كَرهاً وبعد ذلك يأكل من خشاش الأرض (كما قال أحد الأصدقاء) مثل بقية الأحزاب! وفي تقديري، إنّها فُرصة ذهبية له.. فأن تبدأ من الصفر خَيرٌ من أن تبدأ من وراء الشمس..! (3) اندغام الدولة في الحزب أو الحزب في الدولة، كان مُقنّناً في عدة مناصب، أهمها منصب رئيس الجمهورية الذي هو رئيس الحزب، ثُمّ منصب مُساعد رئيس الجمهورية فهذا المنصب يجب أن يذهب فوراً ومعه بقية مُساعدي التّرضية، ثُمّ إنّ والي الولاية هو رئيس الحزب، فهذه قد انتهت تلقائياً بالتّعيينات العسكرية لمَناصب الولاة.. يبقى منصب المُعتمد وبالمُناسبة هذا المنصب كان أكبر معول هَدمٍ للتجربة الفيدرالية، فقد كانت مُهمّته سياسية بوسائل إدارية فأصبح مثل ديك العِدّة (هذه قصة أخرى سنعود إليها إن شاء الله) فإلغاء هذا المنصب أصبح حتمياً، ويُمكن هنا الرُّجوع للضباط الإداريين (كتجربة مجالس المناطق) على أيّام النميري التي كانت أخصب فترات الحكم المحلي. (4) خلاصة قولنا هنا.. إنّ فك الاشتباك بين الحزب والدولة مطلبٌ حتميٌّ، لا بل روشتة ناجعة لكي تقف الدولة على مسافةٍ واحدةٍ من كل المُكوِّنات السِّياسيَّة، وساعتها يُمكن للدولة أن لا تتأثر بالصراعات السِّياسيَّة، ويُمكن أن تكون مُؤتمنة لإجراء أيِّ انتخاباتٍ، ويُمكن أن يثق بها الكل، ويُمكن أن تصبح في حدقات عُيُون الكل، ومن مَصلحة المُؤتمر الوَطَنِي أن يبتهل هذه الفُرصة ويَحمل عصاه ويَرحل بعد أن يترك كُلّ ما أخذه من الدَّولَة..!