هرول طيفور جرياً على صاحبه عمسيب وهو يعض على جلابيته بأسنانه.. ماسكاً عكازه بيمينه.. ومركوبه بيسراه.. جرى إليه ليهنئه بالوظيفة الجديدة.. قال له بصوت متهدج: - مبرووووك آ عمسيب آخوي أخيراً لقيت وظيفة بعد ما عجزت وحواجبك زاتها شيّبت.! رد عليه عمسيب: - الحمد لله.. الله يبارك فيك.. أصلو البصبر بلقى.. صبرنا ولقينا الحمد لله.! طيفور: - واشتغلت شنو ان شاء الله.؟! - غفير بنك والحمد لله.! - ما شاء الله.. والله تستاهل.! طيفور يضيف: - والوظيفة دي لقيتها بالهين كده.؟! سحب عمسيب نفساً طويلاً.. وقال: - الحقيقة ده موضوع طويل.. وقصة طوييييلة. طيفور: - لازم تحكي لي أنا فاضي وما عندي موضوع. (2) استعدل عمسيب في جلسته وقال: - البنك ده قديم طبعاً.. كان من زمن أنا كنت في الثانوي.. وفي الأيام ديك بعد ما امتحنت الشهادة السودانية.. مشيت ليهم قلت ليهم داير أشتغل معاكم.. قالوا لي ما بنوظف زول ما جامعي.. لازم تقرا جامعة.. وبعد تخلص الجامعة تعال.! سكت عمسيب.. طيفور يستحثه على الكلام: - أها واصل. - قدمت للجامعة.. ودرست محاسبة بنوك.. وقضيت الخدمة.. وكملت كل الأوراق.. ومشيت ليهم.. لقيت المدير ذاتوو.. قدمت أوراقي.. قال لي خلاص.. خلّي رقمك معانا.. وأنا ح أتصل عليك.! ضحك طيفور وقال: - طبعاً (خلي رقمك معانا) دي القاعدين يفوتوا بيها الناس.! واصل عمسيب: خليت رقمي عندهم.. خمسة سنوات كاملة ما اتصلوا.. وفي الفترة دي أنا قلت أحسن أحضر الماجستير.. وفعلاً.. قدمت للماجستير.. وبعد ما استلمت الشهادة.. مشيت ليهم.. ولاقيت المدير ذاتوو.. وقلت ليهو يا سعادتك أنا حضّرت الماجستير.. ومنتظرك تتصل لي خمسة سنة.؟! قال لي: خلاص خلي رقمك معانا.. نحن ح نتصل عليك إن شاء الله.! طيفور: - والله انت صبور بشكل. (3) عمسيب يواصل: - وفي الفترة دي اشتغلت كم شغلة هامشية بي الماجستير ده.. انتظرتهم تاني أربعة سنة ما اتصلوا.. قلت أحسن أعرس.. وفعلاً اتزوجت.. واستغليت الزمن ده وبديت أحضر في الدكتوراه.. ما قدرت أواصل فيها.. وبعد تلاتة سنوات مشيت أنا وولدي الصغير.. وقابلت مدير البنك.. وقلت ليهو يا سعادتك أنا لحدي هسي منتظرك تتصل علي اطناشر سنة.. الحاصل شنو.. والله صبرنا ذاتو انتهى.! عمسيب يواصل: - المدير قلع نظاراتو.. وقال لي: خلاص يا استاذ.. قربت تهون.. اديني رقمك تاني.. وما تجيني.. أنا ح اتصل عليك. طيفور: - ههها هها.. أها والحصل شنو بعد داك. عمسيب: - بعد داك نسيت الموضوع.. وانشغلت مع تربية الأولاد.. لكن رجعت ليهم بعد عشرة سنة.. قالوا لي أصبر.. وبعد تسعة سنوات أو أكتر ما متذكر.. اتصل علي رقم غريب كده.. كلو أصفار.. لكن شكلو رقم زول مسئول كبير .. أها أنا رديت عليهو.! (4) اتكأ عمسيب وقال: - جاني صوت فخيم.. قال لي: إنت (عمسيب النضيف شيخ سليم).. قلت ليهو: نعم.. قال لي: إنت كان قدمت عندنا لوظيفة في البنك.. قلت ليهو: صاح لكن الكلام ده كان زمان قبال أكتر من تلاتين سنة.. وهسي أنا كبرت خلاص.. والنظر ضعيف.. وما بقدر على الشغلة دي.! ضحك طيفور: - ههه.. إتأخرو عليك.. لكن في النهاية أوفو بي عهدهم واتصلو عليك.! واصل عمسيب: - الزول الاتصل قال لي انت تعال بس.. كان فيها النصيب بتلقاها.. أها مشيت عليهم.. وقابلت المدير.. داك مات.. جابو مدير جديد.. قالوا ده مدير صادق.. لو قال ليك بتصل عليك يعني بتصل.. فهو قام اتصل على كل الأرقام الكانت مسجلة عندو.. أرقام قديمة.. قال ليك اتصلو على ناس لقوهم ماتوا.. وواحدين خرّفو.. لكن من الناس القُدام كنت أنا ومعاي زي خمسة كدة.. المدير قال لينا إنتو عجزّتو خلاص..ما بقدر أوظفكم في البنك.. لكن دايرين غفير.. فقاموا عملوا لينا معاينات.. وبما إنو أنا الوحيد العامل ماجستير.. شالوني في الوظيفة دي.. وهسي أنا بقيت (غفير بنك) زي ما إنت شايف. ضحك طيفور حتى دمعت عيناه.. وقال عمسيب مختتماً: - عشان كده يا طيفور آ خوي لو في واحد مشى اتقدم لي وظيفة وقالوا ليهو خلي رقمك معانا.. ما يقنع سريع.. ح يتصلو عليهو أكيد.. بس هو يصبر.!!!! الكاتب : اسامة جاب الدين