قرأت عن الشابة المصرية منى أ. الطالبة المتفوقة بكلية الصيدلة، والتي اكتملت سعادتها بتقدم زميلها في الدراسة لخطبتها رسميا.. وقبل الموعد المحدد للزفاف زارها الخطيب في البيت، ولاحظ دخانا كثيفا يخرج من نافذة المطبخ ولما فتحت له الخطيبة الباب حتى نبهها منزعجا إلى أمر الدخان فضحكت وطمأنته بأن كل ما حدث هو أنها كانت تريد قلي بعض البطاطس، ووضعت الزيت على النار ثم قررت الجلوس أمام التلفزيون لدقائق ونسيت أمر الزيت، فأمسكت النار بالمقلاة حتى تنبهت لأمر الدخان واحتوت الموقف، وشرحت لزوج المستقبل كيف أنها تعيش مع أمها التي تعمل مهندسة، وتقضي معظم اليوم خارج البيت، ولا يتسنى لهما سوى تناول وجبة العشاء سويا في نهاية يوم مضن، وبالتالي فإنهما يشتريان وجبات جاهزة.. قبل ان تكمل كلامها كان الخطيب قد نزع الدبلة من إصبعه وأبلغها بأنه لن يتزوج بها وسيبحث لنفسه عن زوجة أخرى.. ولأن قلبي على هذا الشاب فإنني أناشد القراء ان يبحثوا له عن طباخة محترفة تكون زوجة له لأنه - والله أعلم - من النوع «البطيني» الذي يرى ان الواجب الأول للزوجة هو إعداد المحمر والمقمر والمشوي والمهري والمفروم والمشروم والمبروم. سيستنكر بعضكم كلامي هذا ويقول ان الإلمام بفنون الطبخ من واجبات الزوجة.. في رأيي الشخصي فإن الإلمام بفنون الطبخ ضروري لكل آدمي بغض النظر عن جنسه، ولكن الساري والجاري هو ان النساء وفي كل البلدان والحضارات والثقافات هن ربات المطبخ.. ما استنكره هو أن يحكم إنسان على صلاحية شريكة الحياة بحساب الملاعق والبهارات والصحون.. هب انك عثرت على فتاة متعلمة وخلوقة وودودة ومتواضعة وظريفة ومرحة ومؤدبة ولكنها لا تعرف حتى سلق البيض (دعك من الأكلات التي تتطلب الإلمام بمعادلات كيمائية والقليل من علم الجبر)، هل تصرف النظر عنها لأن عدم معرفة فنون الطبخ عيب يمحو كل محاسنها الأخرى؟ شخصيا اكتشفت أن زوجتي لا تعرف عن الطبخ ولا رُبع ما أعرفه أنا بعد أن أتيت بها إلى الظهران خلال عملي في شركة أرامكو.. تحاول صنع الرز وينتهي الأمر بعصيدة شكلها مقرف.. قلت لها جربي «مسلوق» اللحم والخضار مع بعض البصل والبهارات.. وبكفاءة مثيرة للإعجاب كانت الشوربة تتحول إلى عصيدة.. بلاش.. جربي العدس فطبخه لا يحتاج إلى أكثر من الماء وبصلة من دون تقطيع وقدر بسيط من البهارات.. أيضا يتحول العدس إلى عصيدة سميكة.. طيب طالما انك ذات مهارات في تحويل كل شيء إلى عصيدة فجربي ان تصنعي عصيدة حقيقية.. هنا كانت تتحول العصيدة إلى صبة من الخرسانة المسلحة.. ظللت اضحك عليها لأشهر عديدة خربت خلالها بيتي لأنها حولت المطبخ إلى مختبر وتجري تجاربها العصيدية على كل المواد الغذائية التي صرت اشتريها بالطن لأن معظمها ينتهي إلى المجاري، ولحسن حظها ففي أحواض مطابخ مساكن ارامكو مفرمات تهرس بقايا الطعام، وبذلك كانت زوجتي تنجح في إخفاء معالم جرائمها.. وبقدرة قادر تحولت إلى طباخة ماهرة حتى صرت لا استسيغ طعاما لم تصنعه.. نعم تعلمت الحلاقة على رأسي و«ذبحتني» بالعصيدة المريبة.. والشاهد يا رجالة هو انه بإمكان أي شخص فوق العاشرة اكتساب مهارات الطباخة خلال فترة محدودة.. والزوجة ليست مكانها المطبخ إلا بقدر ما هو مكان للرجل، ولكن مثل هذا الكلام لا ينفع في مجتمعنا الذي يعتبر فيه بعض الرجل مجرد دخولهم إلى المطبخ لتناول كوب ماء «عاراً». جعفر عباس [email protected]