كل عام مع اقتراب رمضان، تنتابني أعراض خوف من مآسٍ ومذابح تزامنت دوماً معه. فكم تطول قائمة الحروب والفجائع التي أفسدت علينا فرحة صيامه، خاصة أن بعضها دام عقداً من الزمن، كحرب لبنان في السبعينات، وحرب العراق وإيران على مدى عشر سنوات، وحرب الخليج (الأميركية)، ومجازر الانتفاضة الفلسطينية بدفعتيها ، ومذابح الجزائر في التسعينات التي قطفت حياة مائتي ألف جزائري. وكأن الحروب التي قُدِّرت علينا من أعدائنا لا تكفينا، كثيراً ما واصل المسلمون سفك دماء بعضهم بعضاً في أكثر من حرب، غير معنيّين بقول النبي (صلّى اللّه عليه وسلّم): "لئن تُهدَم الكعبة حجراً على حجر خير عند اللّه مِن أن يُهدر دم مسلم". فكيف لنا أن نطالب غيرنا باحترام شهر، ما احترمنا حرمته، ونلوم أعداءنا إن هم استرخصوا أرواحنا ودماءنا، وقد أهدرنا لسنوات دماء إخواننا على مرأى منهم؟ وقبل جرائم داعش و فظائع وحشيتهم ، كان إرهابيونا في الجزائر قد اعتادوا أن يخصُّوا الشهر الكريم بأكثر جرائمهم وحشيّة وتنكيلاً.. كي يضاعفوا ثوابهم ! يا للكفر.. إنّ الذين قُتِلوا بالعشرات في الجزائر في سنوات الموت العبثي، مات بعضهم صياماً، بعد أن وضع الإرهابيون القنابل في سوق الخضار، واغتيل بعضهم وهم عائدون مساءً من المساجد، وبعضهم ذُبح على طاولة إفطاره، كما حدث قبل بضع سنوات، عندما دخل الإرهابيون ثكنة نائية قبل الإفطار بقليل، مُتنكِّرين في زي عسكري، وطلبوا بذريعة ، وجودهم بعيدا عن ثكنتهم أن يتوقفوا للإفطار. وما كادوا يدخلون قاعة الإفطار، حيث كان يجلس عشرات الجنود من دون أسلحتهم في انتظار أذان المغرب، حتى انقضُّوا عليهم بالرشاشات والسلاح الأبيض، وتركوهم جثثاً وقد تدفّق دمهم على الموائد. فهل سمعتم كفراً أكبر من هذا؟ لقد أصاب الإسلامَ مِن أذَى هؤلاء، وغيرهم من القَتَلَة، أكثر مما أصابه من أذَى أعدائه. فقد صدّروا إلى العالم على مدى سنوات، فظائع إنجازاتهم في الإجرام تحت تسمية الإسلام. وزوّدوا تلفزيونات الغرب بما كانت تحتاج إليه لإثبات "دمويّة الإسلام ووحشيّة المنتسبين إليه". فكم يلزمنا اليوم من وقت ومن جهد ومال، لتفنيد هذه التهمة؟ بل، وحتى "اللّه أكبر" التي أرادها اللّه تعالى، نداءً بذكره تطمئن القلوب، جعلوا منها مصدر رعب، ونداءً يبثُّ الذعر في قلوب الأطفال الآمنين،. ذلك أن الإرهابيين كانوا كلّما أغاروا ليلاً على القرى البائسة، دخلوها شاهرين سكاكينهم وسواطيرهم، منادين بأصوات مُرعبة "اللّه أكبر"، قبل أن ينقضُّوا على القرويين العُزل ذبحاً وتنكيلاً، ما جعل الأطفال يصابون بالرعب ويشرعون في البكاء ، كلّما بعد ذلك سمعوا المؤذن يرفع الأذان. مثلهم ، غدا شهر رمضان، يرتبط في ذاكرتي بالمآسي و الكوابيس العربية ،و بدل أن يكون شهر الرحمة والطمأنينة ، ما يكاد يحلّ حتى تستيقظ مخاوفي. وها قد جاءنا رمضان داعش . قتلة يدّعون الجهاد ، يرفعون رايات الإسلام ،ويزرعون الذعر في قلوب العباد ، ويسبُون النساء ويذبحون وينكّلون ، ويرسمون حدود دولتهم الإسلامية بالجماجم . ما حاجتهم لسماع أخبار غزة ، مادامت جرائمهم تصنع الخبر ! اللَّهم في هذا الشهر الكريم ترفّق بمن لاذ بك ، واحمِ أناساً عزلاً ، من قتلة يدّعون أنهم يدك . يا الله اجعل في اسمك طمأنينتنا، وقوّتنا ووحدتنا. فكم هو صعب أن يكون المرء مسلماً هذه الأيام! الكاتبة : أحلام مستغانمي