دار نقاش بيني وعدد من صديقاتي وكان محور النقاش عن (الحب) أو بالتحديد عن (الحب الأول) وكان الحوار شيقا جدا.. أعطت كل واحدة منهن تصورا لمعنى الموضوع مع أن قلة من المتحاورات لم تسبق لهن تجارب في الحب الحقيقي كما سمينه، والبعض الآخر كن ممن خضن التجربة فلم يبخلن بالحديث عنها لغرض أن تعم الفائدة من هذه التجارب.. بدأ الحديث يأتي تباعا.. وكان قالب المرح هو الغالب على النقاش.. فقد كانت معظم التجارب تكاد تكرر نفسها وكأنها تجربة واحدة.. غالبا ما يكون صاحب القصة والحب الأول هو ابن الجيران أو أحد الأقارب أو صديق الاخ أو أخا لصديقة أو زميل دراسة أو زميل عمل.. وقلة قليلة ممن أحببن غريبا تعرفن عليه بالصدفة.. وغالبا ما تبدأ القصة بالنظرات ثم الابتسامة، ثم بالتعود على الرؤية ثم بالافتقاد والشوق للرؤية ثم بالسهر والتفكير ثم بالسرحان في الفصل ومع الأهل وفي كل مكان.. ومحاولة استحضار طبعه وتذكر ملامحه وحركاته وقسمات وجهه ولبسه وتسريحة شعرة.. ثم تتعمق المسألة ويرتفع نبض القلب حين تسمع الآذان صوته أو تقع العينان على محياه ولم يكن ذلك يحدث قبل أن تدب الكهرباء في الأوصال وتنتعش الروح بالروح الجديدة التي بدأت تمتزج بها، وفي معظم الحالات يكون هناك تجاوب من الطرف الآخر.. ونادرا ما يظل الحب من طرف واحد.. كل اللواتي روين قصة الحب الأول مازلن يتذكرن ذلك الحب.. بل إن بعضهن مازلن يتذكرن أدق التفاصيل.. على الرغم من مرور سنوات عدة على التجارب.. كثيرات قلن إن قلوبهن مازالت تنبض بالسرعة نفسها حين يتذكرن أول حب طرق قلوبهن بعنف.. قلة قليلة جدا من الفتيات قُلن إنهن تزوجهن بحبهن الأول.. ومن هذه القلة من ندمت على الزواج لأنها افتقدت ذلك الإحساس الذي كان (يشقلب حياتها) ويجعلها ريشة في مهب ريح الحب.. وقد آمنت هذه المجموعه بأن الزواج يقتل الحب.. والبعض منهن مازلن يتابعن أخبار أحبائهن أو بمن تزوجوا وكم لديهم من أولاد وماذا يعملون وما إلى ذلك.. ومنهن من مازلن يعشن روحيا مع حبيبهن الأول.. فيفرحن لفرحه ويحزن لحزنه.. والغريب في هذا الموضوع أنني اكتشفت أن النساء أكثر إقبالا على الحديث عن الحب وعن تجاربهن في الحب وكمية الإحساس المتوفر لديهن في مضمون حالة الحب.. بعكس الجنس الآخر (الرجال) نجد أن قلة قليلة منهم من يبدي رغبة في الحديث عن تجربة الحب الحقيقية.. التي مر بها. فهل يا ترى لأن الرجل لا يهتم بالتجارب العاطفية كالإناث أم انهم يعتبرون هذه الموضوعات مضيعة للوقت وإحراجا لهم أم لأسباب أخرى لا أعلمها.. واكتشفت أيضا أنه إذا دار موضوع نقاش أو محاضرة عن هذا الموضوع فإننا نلاحظ أن الذكور يتخلفون عن المشاركه وكثيرا ما يحدث أن يشارك عدد قليل من الذكور مقابل عدد كبير جدا من الإناث.. فهل يكون السبب أن المرأة في تكوينها كائن رقيق وحساس والرجل كائن موضوعي ويعتبر الحديث والإفصاح عن هذه التجربة تقليلا من الهيبة وانكسارا لأحد أعمدة الرجولة لديه؟.. إن الشعور بالحب من أول تجربة إحساس متشابه لدى الجنسين الذكر والأنثى.. فكلاهما يحس بنفس الإحساس وفي سن صغيرة وهي فترة المراهقة.. فكلاهما يحس بالاكتفاء وامتلاك الدنيا ويصاحبه شعور بالفرح الدائم والاستمتاع بواقع وجوده في النهار ومرافقته لأحلامهم في الليل.. فأغلب القصص تبدأ بكثير من نظرات التأمل.. وتكون نظرات حالمة ودافئة.. ولا يدرك الطرفان معنى للفرحة إلا بمشاركة الحبيب ويعتبران لقاءاتهما جزءا لا يتجزأ من عامهما الدراسي أو عطلتهما الأسبوعية أو إلى آخر ذلك.. باختصار في كل أمورهما الحياتية.. ويحلمان بأن يعلم العالم أجمع بعلاقتهما وقصة الحب التي بينهما. كل الكلمات والعبارات التي يتبادلانها تكون مغلفة بعواطف الدنيا كلها.. ويبديان استسهالا وعدم اكتراث للفوارق التي بينهما حتى وإن كانت واقعا لا مفر منه.. وفي مساق هذا النقاش.. نستدرك أن الحب الأول، في اعتقاد الكل، ليس بتجربة وإنما مصاب قلبي لا تمحوه السنون.. حتى وإن قادك قلبك لأن تحب مرة أولى وثانية وثالثة نجد صدق العبارة التي تقول "وما الحب إلا للحبيب الأول".. (أرشيف الكاتبة) كلمات على جدار القلب - صحيفة اليوم التالي