حين مغادرته قبة البرلمان وبعد أن انتهى من تلاوة بيان أداء وزارته وما يزمع القيام به مستقبلاً ينثر معتز موسى وزير الكهرباء وعد وزارته بتنفيذ عهد رئيس الجمهورية مع شعبه (أنه لا قطوعات ولا برمجة في رمضان) وقال موسى، في بيان وزارته أمام البرلمان أمس الأول (الاثنين)، إن استمرار التعرفة الحالية للكهرباء في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج وتكلفة قطع الغيار والوقود يؤدي لإضعاف القدرة التشغيلية. الحديث عن زيادة تكاليف التشغيل مع الأسعار التي يتحصل من خلالها المواطنون على السلعة يعيد للأذهان المطالب السابقة بزيادة أسعار الكهرباء فهي لا تغطي تكلفتها بالسعر الحالي.. مؤكد أن مثل هذا النوع من الحديث يعني أنه على المواطنين تحسس جيوبهم فثمة زيادة في الطريق وعليهم دفع فاتورتها. التلويح بزيادة التعرفة كضامن لاستقرار الإمداد الكهربائي في البلاد لم يكن هذا هو ظهوره الأول ففي وقت سابق كان الجميع على بعد خطوة من إعلان التعرفة الجديدة، إلا أن تدخل رئاسة الجمهورية في ذلك التوقيت جعل الأمور في نصابها ولم تتغير أسعار الكهرباء في نقاط البيع، حديث الوزير عن زيادة تكاليف التشغيل وأن التعرفة الحالية تساهم بشكل كبير في ضعف الإنتاج أمر يبدو على درجة كبيرة من الوجاهة بحسب ما هو ماثل، فالتعرفة الحالية لا تغطي المنصرفات كما أن هناك فروقات في الأسعار بين سعر الكيلو المنتج بالتوليد الحراري والمنتج عبر التوليد المائي، يضاف لذلك عدم استقرار سعر الصرف وعدم توفر نقد أجنبي، كل هذه العوامل تزيد من تكلفة التشغيل مع الوضع في الاعتبار أن ثمة محطات جديدة ستبدأ العمل وهي تحتاج لتكاليف متزايدة وعلى الحكومة أن تقوم بدفعها في ظل حديث البعض عن جبن الرأسمالية في عملية الاستثمار في الكهرباء باعتباره غير مجد اقتصادياً. الموظف الممسك بمفتاح البرمجة وهو على استعداد من أجل إطفاء الأنوار في أحد الأحياء العاصمية، أو في حي طرفي لمدينة ولائية لا يبدو سوى كونه منفذا لاستراتيجية تهبط إليه من أعلى، يسعى جهد إيمانه للحفاظ على ما تبقى من كيلوهات يرسلها لهم غداً كتأكيد على فرضية أن المتاح أقل من المطلوب في السلعة وأن ثمة ندرة واضحة للعيان، وأنه ليس أمام المواطنين من خيار غير الصبر لحين انقشاع الظلمة. يقول أحمد علي وهو مواطن يقطن أم درمان إن التجارب السابقة علمته الاستعداد للخيارات الأسوأ ويمكن تسميتها أقرب الحلول المتاحة للحكومة، أحمد بدا على درجة من القناعة بأن كل ما يدور الآن هدفه تحقيق غاية رفع أسعار الكهرباء، ويستعيد أحمد ما حدث في (الغاز) ويضحك حين قراءته خبرا قبل أوقات قليلة يؤكد لجوء المصافي لحرقه بعد أن أصبح العرض فيه أعلى من الطلب ويكمل: “لا يمكنك الذهاب بعيداً ففي ذات الفاتورة المتعلقة بسلعة الكهرباء يتم دفع فاتورة المياه وهو ما يعني أن السلطات تعرف من أين تؤكل الكتف”، يبدو خائفاً من ترديد عبارة (زيدو السعر ووفروها) فهو المطلوب الآن بحسب قراءته لفلسفة تعاطي الحكومة مع الشعب فهي تريد أن تزيد سعر السلعة وفي ذات الوقت تبحث عن مبررات موضوعية لهذه الخطوة، مبررات ترسم لها صورة المجموعة المهمومة بمعاناة الشعب. في ذات السياق يمكن العودة إلى مدخل الأزمة في الكهرباء في أوقات سابقة، حيث اضطر الجميع لترك جدلهم حول القطوعات المتكررة للتيار واستبداله بالجدل حول زيادة أسعارها وهو ذات ما يتكرر الآن حيث انتقل الجدل من البرمجة ومن توفير التيار في رمضان إلى جدل يتعلق باتجاه الحكومة لإقامة محطة طاقة نووية لتوليد الكهرباء، ومدى المخاطر التي يمكن أن تنجم عن هذه الخطوة، تاركين المخاطر المترتبة على غياب التيار، بل إن البعض تجاوز كل ذلك ووقف في محطة المطالبة بعدالة (القطع) وبالثبات في البرمجة الموضوعة. تقول الحكومة بأنها تدعم كل كيلو كهرباء يخرج للمواطن بكيلو آخر حيث تؤكد على التباين بين حجم كلفة التشغيل والقيمة التي يدفعها المواطن حين حصوله عليها في وقت لا تبدو فيه خجلى من إعلانها أنها لم تعد قادرة على فعل ذلك بفضل الضغوط الاقتصادية الكثيفة التي تواجهها وتنادي على المواطنين أن “يشيلوا معاها الشيلة” وأن يساهموا في استقرار التيار فقط بالقبول بمبدأ المساهمة في (التشغيل) عالي التكاليف.. مؤكد وبحسب ما هو ماثل أن ثمة أزمة يعيشها قطاع الكهرباء، الأكثر تأكيداً أن المواطنين هم من يدفعون فاتورتها حين غياب سريانها وهو غياب يبدو غير محتمل في رمضان وبالتالي فإن الطريق لخلق تسوية يبدو متاحاً ويمكن السير فيها بإعلان الفاتورة الجديدة لكنه في المقابل يبدو طريقا محفوفا بالأشواك المتعلقة بالأوضاع السياسية السائدة ومعها الأوضاع الاقتصادية التي لا تحتمل فاتورة جديدة، كل هذه الأمور ستضع الوزير في نفق ضيق فهو من جانب مطالب بتنفيذ وعد الرئاسة بضرورة استقرار التيار، وفي ذات الوقت يقع تحت ضغوط زيادة تكاليف التشغيل التي تصبح العائق الأكبر في تحقيق غاية الاستقرار المنشود، في كل الأحوال على المواطنين الاستعداد للخيارات الأسوأ، (القطع) من خلاف أو القطع من الميزانية.