والصراع الجنوبي الجنوبي الدامي يدخل أسبوعه الخامس فإن من الملفت للإنتباه أن الأمين العام لما يسمى بقطاع الشمال بالحركة الشعبية ياسر عرمان لزم صمتاً قبورياً محيراً! فبإستثناء زيارة خجولة صحبه خلالها عقار والحلو الى مقر مفاوضات الفرقاء الجنوبيين، في أديس أبابا فى الأيام الأولى لجولة المفاوضات، كان فيما يبدو -هو ورفيقيه- يبحثون عن منفذ من المنافذ لسبر غور الصراع أو معرفة مآلاته أو الكفة الراجحة فيه، فإن أحداً بعد ذلك لم ير عرمان فى محطة فضائية، أو على صفحات الصحف ولم يسمع له صوت مع أنه من النادر والنادر جداً أن يتحلى الشاب الطموح بفضيلة الصمت. ولكن يبدو أن الصمت هذه المرة ليس من ذهب فقط ولكنه يجاوز قيمة الذهب. فالرجل ورفاقه فى ورطة حقيقية ومصيرية؛ إذ انه من وجهة أولى ومع كونه (جزء) من منظومة الحركة الشعبية بحكم الانتماء الأيدلوجي والسياسي إلا أنه ليس له قيمة سياسية فعلية تؤهله للعب دور بأي درجة كان لمعالجة الأزمة ومن هنا يمكننا أن نكتشف أن عرمان ورفاقه فى القطاع فى نهاية المطاف ليسوا سوى مجرد بيادق شطرنج يتبارى بها دهاقنة الحركة الشعبية الجنوبية. بمعنى أدق فإن الأحداث أثبتت أن الحركة الشعبية الجنوبية لا تملك فى الواقع ترف حمل القطاع على ظهرها، فالحمل الذي ينوء به ظهرها يكفيها. ومن جهة ثانية فإن القطاع -بعد الأحداث وبعد ما وضح من عنف وصراع على السلطة بكل هذا القدر المريع والمدهش- بدا كأكذوبة ظلت تتراءى لمن لا يعرف وكأنها يد الحركة الشعبية الجنوبية الباطشة فى السودان. الواقع المستجد الآن في دولة الجنوب يحول دون أن يفكر أي طرف هناك فى شي إسمه قطاع الشمال، لقد تطايرت شظايا الجيش الشعبي وتقطعت بالمجموعات بداخله السبل، وتطاير تماسك الحركة الشعبية الأم نفسها بحيث يمكن الجزم بأن من رابع المستحيلات أن تعود بحالتها الماضية، فما بالك برديفها التائه قطاع الشمال؟ من جهة ثالثة فإن عرمان نفسه يمكن القول انه فقد المنطق الأخلاقي والسياسي جراء هذه الأحداث فى الظهور بمظهر المدافع عن الحركة الشعبية الجنوبية. الصراع الدامي أفقد الشاب الغرير أية مبررات للإلتصاق بالحركة الأم فهي لا تمارس ولا تعرف الديمقراطية، وهي متنافرة بطبيعتها وإن بدت -على السطح- متماسكة، وهي محكومة بأهواء ونزوات قادتها. نموذج بائس كهذا لن يستطيع عرمان -بعد اليوم- تسويقه والدفاع عنه مهما أوتي من حجج ولسان طليق. بل إن الصراع افسد على عرمان ورفاقه آمالهم وطموحاتهم المرجوة فى تكرار نموذج نيفاشا والحصول على مكاسب سياسية على غرار ما سبق أن كسبته الحركة الأم، إذ سيظل هذا الوضع المؤسف حجر عثرة حقيقي تجاه مستقبل عرمان ورفاقه. وأخيراً فإن الأسوأ قادم، لأن عرمان فقد طرفيّ النزاع عملياً بموقفه السالب الذي أضطر إليه، فقد فات على الشاب المتطلع أن مثل هذه المواقف لا حياد فيها لأنه (جزء) من منظومة الحركة وهو واحد من (كمنداناتها)! سودان سفاري