(وراء البسمات كتمت دموع) العبارة تزين مقدمة (صندوق) عدة الشاي تجلس خلفه سيدة في الأربعينات من عمرها توزع ابتسامتها بالتساوي على دائرة الزبائن وهم يزيلون رهق الليل بالشاي المنعنع والقهوة التي تفوح منها نكهة الجنزبيل يتبادلون معاً أطراف الحديث يدورون مع قصص البلاد المرسومة في جرائد الصباح. ثمة ابتسامة أخرى ولكنها مختلفة ومغايرة الرئيس البشير والشيخ الترابي بينهما ابتسامة لقاء ما بعد القطيعة التي استمرت طوال سنوات المفاصلة في العام 1999. الجالسون في الدائرة تجاوزا ابتسامات ست الشاي الخارجة من خلف دموعها وذهبوا يحللون الابتسامات (الوطن والشعبية) وإمكانية استمرارها ضحكة كاملة البهاء أم أن ثمة وجه شبه كبير بينها وتلك المرسومة في خلفية الصندوق؟ تباين وجهات نظر الجالسين في منصة الشارع حول المشهد المرسوم أمامهم في الجريدة وإمكانية تحققه على أرض الواقع المحتقن بين الفرقاء فالبعض بدا متفائلاً بالأمر، بينما بدا فريق آخر قانعاً من خير يأتي عقب أي لقاء يجمع بين مكونات اللعبة السياسية وقادتها. بالعودة للصورة نفسها والتي خرجت عقب اللقاء بين الرئيس البشير والشيخ الترابي، فقد أعقبتها لغة بدت وكأنها حديث علاقات عامة وممثلو الحزبين يعلنون في كلمات مقتضبة الاتفاق عن استمرارية الحوار من أجل المعالجات ومن ثم الاتفاق على مجمل القضايا.. ذات اللغة التي خرجت عقب لقاء البشير والترابي خرجت مسبقاً عقب اجتماع بين البشير والإمام الصادق المهدي فقط التركيز على استمرار نهج الحوار. شهران إلا قليلاً هي الفترة الزمنية التي أعقبت خطاب الحوار واللقاء الجامع في قاعة الصداقة والذي أمه معظم رؤساء الأحزاب السودانية آنذاك ففي تلك الليلة بدأت رافعات للحوار وكأنها ستعمل، وزادت درجة التفاؤل بإمكانية العبور نحو مرافئ الوفاق الوطني والإجماع القومي في السودان. الواقع الآن بعد انقضاء كل هذا المدى الزمني على خطاب القاعة يقول بأن المسألة تمضي بخطى بطيئة فيما يبدو، دفعت بأحد الجالسين في دائرة النقاش الشعبي للقول "ديل ماشين لي وراء"، بساطة الحديث هناك ربما صارت نظرة عامة حول المنتظر من الحوار والنتيجة الماثلة الآن. الإجابة على سؤال توقف رافعات الحوار السوداني أو أنها تعمل الآن يمكنك متابعتها من خلال تتبع مواقف ما بعد لقاء الرئيس والقوى السياسية.. الإمام الصادق دشن الأمر من خلال اللقاء الذي جمعه بالبشير في الشهر الماضي ورغم أن المخرجات الأولى للقاء قالت إنه فقط استمرار للحوار خرج الإمام في حديث آخر ليكشف أن ثمة قضايا تمت مناقشتها في ذلك اللقاء.. أمر يجعلك تقول إن الكامن خلف المرئي أكبر مما هو في الخارج، فقضايا مثل التحول الديمقراطي لم تذكر عقب نهاية اللقاء ولكنها حضرت في مكان آخر، مما يعني أن ثمة أياد تعمل من أجل التسريع في خطى التسوية. ساعة ونصف كانت هي المساحة الزمنية للقاء أمس الأول بين الرئيس والترابي وذات المخرجات التي تخبرك فقط باستمرارية الحوار بين الجانبين، وهو ما يعني أن الطريق بات مفتوحاً أمام رافعات أخرى للعمل في إنجاز نتيجة نهائية للحوار والوصول إلى نقطة يكون مرضي عنها من الأطراف كلها. لكن في المقابل فإن آخرين ينظرون لعملية التأخير في إنجاز الخطوات بأنها ستكون وبالاً على الجميع، في حين تصفها المعارضة بأنها مجرد تعبير عن حالة (التسويف) التي يتقنها النظام طوال تاريخه وأن هدفها فقط منحه أياماً جديدة في السلطة بذات نهجه القديم. يمكنك أن تتجاوز ما يحدث بين فرقاء (السلمية) من الأحزاب السياسية في الخرطوم إلى نقطة أخرى تتعلق بعملية الحوار بين الحكومة والحركات المسلحة المتحركة من المنصة الدولية التي يحمل عبئها أمبيكي نيابة عن المجتمع الدولي. أيضاً هنا لا جديد فقط انتهت الجولتان إلى لا شيء مما دفع بأمبيكي لتقديم مهلته الأخيرة للوصول إلى اتفاق قبل نهاية أبريل وهو ما يجعل الجميع أمام لحظة الحقيقة غير الممكن تجاوزها وإلا فإن سياط العقوبات ستقع على ظهور الرافضين للموجهات الهادفة للسلام في السودان. أمر جدير بالتناول في هذه النقطة وهو إعلان رئيس وفد التفاوض عن قطاع الشمال ياسر عرمان استعدادهم وجديتهم في الوصول إلى سلام يمنحونه لأهل السودان هي ذات اللغة التي ينطق بها رصيفه في وفد الحكومة إبراهيم غندور.. الكل يتحدث عن السلام والاستقرار دون أن يحدث ذلك!. المتابع للمشهد الأخير يمكنه النظر إلى حالات التأجيل المتكرر للقاءات وللحوار وهو التأجيل الذي يتعلق بالتأني وسلامته المنتظرة وكل تأخيرة فيها خيرة الحراك المتسارع من الجهات كلها ينبئ عن شيء يتم طبخه على نار هادئة. مراقبون للحراك السوداني العام يقولون إنه ما من طريق يمكن أن يتم العبور فيه إلى الأمام سوى طريق التسوية وأن ما يبدو عملية للتسويف في حقيقة الأمر هي عمليات من أجل وضع حسابات منطقية لما يمكن أن تخرج به ويزيدون إن الأمر لن يكون محصوراً في جوانب الأحزاب السياسية فقط، بل ستكون الحركات المسلحة أيضاً جزءاً من العملية التي تهدف لإعادة رسم واقع السياسة السودانية بما يتوائم وإعادة ترسيم المنطقة ككل. مغادراً جلسة القهوة يدخل يده في جيبه ليدفع الجنيهات الثلاثة ينظر إلى ما تبقى معه من مال وما يريده من حاجيات يهمهم غاضباً وهو يعيد قراءة العبارة (وراء البسمات كتمت دموع) ويرد مسرعاً ما براك كلنا في الهواء سواء