السماء تبدو صافية، فسحب الشائعات انحسرت تماما، لا حديث بعد اليوم عن تدهور صحة الرئيس البشير كما امتلأت بذلك "الأسافير" خلال الأسابيع الماضية والتي خضع فيها الرئيس البشير إلى عملية جراحية في ركبته بمستشفى رويال كير، غير أن الزيارات من مقر نقاهة الرئيس غطت على خطوط القلق المتنامي، أخيراً البشير يلتقي الوزارء في بيت الضيافة وسط حفاوة كبيرة وهو يبتسم ويطمئن الناس. الكاميرا ركزت على اللحظة من أول ثانية، وبعثت بذلك عشرات الرسائل، لقد تعافى الرئيس بشكل كامل وباشر مهامه.. وكان الوزراء يمدون أياديهم بالسلام، فيلتقطها البشير بيمينه، مقطع الفيديو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، وانتهت أيام النقاهة التي نصح بها الأطباء.. وكان السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية شفافاً عندما دفع بتصريح ذكر فيه أن الرئيس سيخضع إلى عملية جراحية في الركبة بمستشفى رويال كير، ورشحت معلومات بعد ذلك عن اختيار البشير لمستشفى سوداني تم عن قناعة قوية، وبعث الأمر بأكثر من رسالة بأن الطب السوداني بخير بجانب دعم فكرة توطين العلاج، لحظة بلحظة كان الناس يتابعون أخبار العملية، عبر الجهاز الرسمي، وأحياناً من مصادر مقربة، للتأكد من أن الوضع الصحي للرجل يمضي في تحسن، كانت كل المعلومات المتاحة تدعم ذلك الاتجاه، النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق بكري حسن صالح طمأن جماهير الفاشر وأبلغهم تحيات الرئيس ودعواتهم بأن تنعم دارفور بالسلام الشامل، كان بكري يجلس مع البشير وهو بالجلباب السوداني من الجناح داخل المستشفى، كانت تلك أول صورة تلتقط للرئيس بعيد إجراء العملية تطمئن الناس على نجاحها. بعد (3) أسابيع من إجراء العملية باشر رئيس الجمهورية مهامه أمس (الثلاثاء) ببيت الضيافة، المشهد ينبئ بشفائه من العملية الجراحية التي أجراها مؤخراً، فالكاميرا لا تكذب ولا تتجمل، البشير التقى نوابه ووزراء الدولة، كما التقى وزير الخارجية علي كرتي الذي أطلعه على نتائج زيارته لكل من النرويج والتشيك وتركيا، وقال وزير الخارجية في تصريحات صحفية عقب اللقاء إنه أطلع الرئيس على نتائج مشاركة السودان في مؤتمر دعم الأوضاع الإنسانية في الجنوب الذي عقد بالنرويج مؤخرا، مبينا أن السودان كان له دور كبير في دعم الأوضاع الإنسانية بالجنوب، مشيرا إلى مساهمته بنحو 10 آلاف طن ذرة تم تسليمها لحكومة الجنوب بجانب استضافته لأعداد كبيرة من اللاجئين الجنوبيين والطلاب والتلاميذ الجنوبيين بالمراحل التعليمية المختلفة في السودان، وترأس البشير ببيت الضيافة اجتماع اللجنة العليا لمتابعة تنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادي بحضور الفريق أول ركن بكري حسن صالح النائب الأول وحسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية وبرفيسور إبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية والفريق أول محمد عطا المولى مدير جهاز الأمن والمخابرات، بجانب محافظ بنك السودان وعدد من وزراء القطاع الاقتصادي.. بدر الدين محمود وزير المالية والاقتصاد الوطني قال في تصريح صحفي إن الاجتماع ناقش التحضيرات الجارية للموسم الزراعي الصيفي والأداء المالي والنقدي لاسيما التطورات الأخيرة التي حدثت نتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي تمت خلال الفترة الماضية، مبينا أنه قدم تنويرا حول الإجراءات التي قامت بها وزارته في إنفاذ بعض القروض الخارجية. نصيحة الأطباء رغم خروجه من المستشفى وبعد فترة قصيرة من إجراء عملية في ركبته وفي ظل النصائح التي قدمها الأطباء بضرورة الخضوع لفترة نقاهة، إلا أن البشير ظل قريباً من هموم الدولة، ممسكا بالملفات ومتابعا لما يجري بالخارج والداخل، ومارس مهامه بشكل طبيعي، الحكومة سخرت من الشائعات التي ملأت الأجواء واتهمت المعارضة بإطلاقها بشأن صحة الرئيس عمر البشير، وظهر البشير أمام الكاميرات في لقائين منفصلين جمعاه مع نائبه الأول بكري حسن صالح ومساعده إبراهيم غندور، وفوض البشير نائبه الأول بالتوجه إلى جنوب أفريقيا للمشاركة في تنصيب الرئيس جاكوب زوما، مؤكدا دعم السودان لدولة جنوب أفريقيا، فيما وجه الرئيس مساعده إبراهيم غندور بتمثيله في احتفالات دولة إريتريا بعيد التحرير، وقال غندور وقتها في تصريحات بعد لقائه بالبشير، إن الإشاعات التي تواترت حول صحة الرئيس مضحكة، وأن البعض لا يفرق بين المعارضة والممارسة الأخلاقية الحميدة. كاريزما خاصة لا يختلف اثنان على كاريزما الرئيس البشير التي منحته شعبية لا ينكرها حتى أعداءه، فالسواد الأعظم من الناس يشعرون بارتياح لخطابات البشير الجماهيرية ولغته البسيطة التي تدخل القلوب دون كوابح، حتى الذين لا يحملون بطاقة عضوية للمؤتمر الوطني، حب الناس للرئيس لا علاقة له بالحزب الحاكم ولا الحكومة، فعندما مرض الرئيس شكلت مجموعة من النساء حلقة تلاوة للدعاء له لأنه يخاطب العامة بلغة الجار والأخ ويتفاعل ببساطة مع قضايا الناس، وتجده في المقابر يواري الثرى ويصلي على أحد الراحلين ويستخدم لغة الناس العاديين في خطاباته السياسية، فيشعل فتيل الحماسة في الحشود التي وضعت الأحزاب في اختبار مبكر للانتخابات عندما قطعت الطريق في عفوية لاستقبال الرئيس عقب الإعلان عن حكم المحكمة الجنائية وقابلها بنفس بساطتها لأنه يعطي المواطن الأمان باقترابه منه.. مسافة عادية وثقة متناهية، قدره الشارع، كاريزما البشير تشكلت منذ أمد بعيد، ساعة أن أدرك المفتاح السري الذي يمنحه الولوج إلى قلوب الناس، كل الناس، القبول الرباني الذي وجده الرئيس هبة، والهبات لا تُعطى جزافا، وبعضها يُكتسب والود الصادق لا يُشترى ولكنه يتفشى بحسن المعاملة كما يردد البعض نهاية المشهد بعودة الرئيس البشير وانتهاء ثلاثة أسابيع هي فترة رحلته العلاجية انقطع حبل الشائعات وعادت الأمور كما كانت، وشفت الحكومة من الشائعات التي أدارت الرؤوس كثيرا طول الأيام الماضية حول الحالة الصحية للرئيس البشير.. التوجسات اختفت وانقطعت الأقاويل والروايات التي لن تتدفق على المواقع "الإسفيرية" وشبكات التواصل ومقاهي الأنس السياسي بعد اليوم. صحيفة اليوم التالي