عشرات الجرائم التي دونتها دفاتر الشرطة وأخرى لم تصل للشرطة وقد شهدتها قرى ومدن وأرياف السودان بهدف غسل العار بإعدام الفتاة التي تقوم (بتدنيس) شرف وعرض الأسرة وذلك حسب قوانين العادات والتقاليد التي تتنافى مع الشرع الذي يعاقب الزانية والزاني بالجلد حتى يتعظ الناس.. فالمعروف ان العقاب يكون نفسياً وجسدياً وليس بقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق .. ففي كل يوم تطالعنا الصحف بخبر (ان ابا قتل ابنته) او(اخا قتل شقيقته)!! قصص كثيرة تروى في المجتمع السوداني عن ضحايا جرائم الشرف حتى يكاد لا يمر شهر الا ويتفاجأ الرأي العام السوداني بجريمة شرف راحت ضحيتها فتاة اكتشف الطب الشرعي عذريتها .. وكم من نفس بريئة قتلت بالشك والوشاية دون ان يتحقق ذووها ان كانت مخطئة ام لا؟ّ! دفاتر الشرطة دفاتر الشرطة مليئة ببلاغات (جرائم الشرف) ، مع ان بعض هذه الجرائم ترتكب ، وتظل مخبأة بين افراد الاسرة ولا تصل الى الشرطة، وقال مصدرمطلع من الشرطة ل(الرأي العام) فضل حجب اسمه :ان نسبة جرائم الشرف ازدادت بصورة مخيفة في الاعوام الفائتة ، في مناطق مختلفة من السودان .. وقال المصدر إن جرائم الشرف تعد من أشهر الجرائم وهي من الجرائم القليلة التي لا تقابل باستهجان كبير، وربما لا تقابل بأي استهجان من جانب المحيطين بالقاتل والقتيلة بل على العكس في كثير من الأحيان تكون هذه الجرائم مصدراً لإعادة الاعتبار ليس لشخص القاتل بل وأسرته أيضاً، وأشار الى أن الكثير من هذه الجرائم اكتشفت الشرطة أن جميع المحيطين بالقاتل كانت لهم يد في عملية القتل عن طريق عملية التحريض وفي بعض الأحيان تكون لهم مشاركة فعلية في عملية القتل على أساس أن غسل العار واجب على الجميع.. وقال إن النصوص القانونية في بعض البلدان العربية قد تجاوبت مع فكرة غسل العار، فنجد أن التشريعات في تلك البلدان تعطي حكماً مخففاً وبعضها لا تعطي حكماً على الإطلاق للقاتل في جرائم الشرف!! رؤية قانونية يرى الأستاذ معتز أحمد المدني المحامي: من الناحية الاجتماعية والاقتصادية فإن أية تشكيلة اقتصادية جديدة تولد مفاهيم أخلاقية جديدة.. فنحن الآن في تشكيلة اقتصادية تتولد فيها تركيبة وطفرة اقتصادية غير مؤسسة وبالتالي نتجت مجموعة اجتماعية غير متوازنة أسرياً، وقال إن نسبة العطالة واحتكارية سوق العمل متمركزة بشكل غير متوازن مما أدى الى سلوك وانحرافات اجتماعية أصبح من الصعوبة معالجتها اجتماعياً وأدى ذلك الى اختلال أسري يتعارض تعارضاً كاملاً مع الموروث الأخلاقي لربط الأسرة وبالتالي بدأ يظهر أخيراً أخذ القانون باليد وتطبيقه، وفي حالة الانفلاتات الأخلاقية المرتبطة بجرائم الشرف أصبحت المعالجة التعديلية لها بالعنف الأسري.. وأشار المدني الى أن الجرائم المتعلقة بالعرض منتشرة حالياً بصورة كبيرة خاصة في حق التي تحمل جنيناً خارج الإطار الشرعي، أما الجريمة التي يرتكبها الأب في حق ابنته في هذه الحالة يعتبر القانون السلوك المعوج للضحية استفزازاً متراكماً في حالة متابعة الأب للسلوك الخاطئ، وعندما يظهر ذلك السلوك في حالة الحمل أو التلبس بالجريمة للأب أو أي شخص مسؤول عن الأسرة فيعتبر ذلك استفزازاً ودافعاً استثنائياً يغير مادة الاتهام من القتل العمد الى القتل شبه العمد وذلك أمر مخفف للعقوبة ليخرج به الجاني من عقوبة الإعدام لعقوبة أخف منها، كما أن القانون يعدل المادة بناءً على الجرائم الواقعة بين الأصل والفروع وبالتالي ما دام الجاني هو ولي من أولياء الدم المسفوح يقر القانون عدم خضوعه لعقوبة الإعدام رغم أن النصوص الشرعية تطبق حدود الجلد على مرتكب جريمة الزنا، ولكن نجد أن من يأخذ القانون بيده لا يكون المعيار معيار تطبيقه للحد الشرعي ولكنه ينتفع من الاستثناءات الواردة فيما يتعلق بالاستفزاز »الشديد والمفاجئ« وبالتالي ولكي لا تفقد الأسرة الجاني والضحية استهدف المشرع تحويل العقوبة الى عقوبة بديلة فيما يتعلق بالحق العام وبالتالي يكون السجن بديلاً للإعدام!! وفي ذات السياق أبان (سيف محمد علي) المحامي.. إن هذه الجرائم ترتكب في مناطق كثيرة من العالم وتكثر في الدول الإسلامية بسبب الحماية القانونية التي توفرها بعض البلدان للقتلة إذا أثبتوا أن دافعهم كان بسبب الشرف ، وعادة لا تأخذ هذه الجرائم هذا الاسم.. »جرائم الشرف«.. إلا في البلدان التي لديها نوع من الحماية القانونية تعفي القتلة من العقاب مثلما هو الحال في سوريا والأردن حيث توجد في سوريا مادتان تحميان القتلة بهذا العذر المادة (485) والمادة (291) من قانون العقوبات، وقال هناك بلدان قامت بإلغاء أي أعذار قانونية للقتلة بينما لا يزال القتلة يستفيدون من دعم القانون لهم في دول أخرى من بينها السودان ومصر والأردن!! رؤية نفسية واجتماعية وحتى نتعرف على رأي علماء النفس في الجرائم التي تقع بسبب الشرف .. التقينا بالباحثة الاجتماعية د.دولت حسن، فقالت: مثل هذه الجرائم تحدث يومياً، إن لم أبالغ في الأمر فمعظمها ينتهي داخل الأسرة ولا يصل للقضاء والشرطة.. وقالت إن السودانيين دمهم حار والشرف عندهم غالي لذلك لا يمكن أن نقول عمن ارتكب هذه الجرائم لديه علة نفسية بل هو في كامل قواه العقلية وبصحة نفسية سليمة ولكن بمجرد أن يعلم الأب أو الأخ أو العم بأن واحدة من بناتهم قد حملت سفاحاً سيفقد صوابه ويدخل في حالة نفسية قريبة الى الجنون حيث لا يستطيع أن يتمالك أعصابه ويفقد السيطرة عليها تماماً، ففي هذه الحالة يمكن أن يقتل من غير رحمة ولا إحساس بالذنب، وأضافت :كلنا يمكن أن تصيبنا هذه الحالة - لا قدر الله - إذا تعرضنا لمثل هذا الموقف.. فهناك من يعود إليه عقله ويندم على فعلته وربما يصاب بمرض نفسي يلازمه مدى الحياة، وآخرون لا يندمون ظناً منهم أنهم على حق وأن ابنتهم تستحق القتل طالما فرطت في شرفها وعفتها. بينما هناك أشخاص يتمتعون بإيمان فيعاقبون »بناتهم« عقاباً على حسب رؤيتهم بعيداً عن القتل، وقالت: مؤسف جداً أن تظهر مثل هذه الجرائم من جديد فهي كانت ترتكب في عصور ماضية والأجيال الحالية عندما يسمعون قصة جريمة قتل (أب) لابنته يعتقدون أنها أسطورة من نسج الخيال فلا أحد يتوقع حدوث مثل هذه الجرائم!! تقاليد قبلية يرى فضيلة الشيخ (اسحق علي) أن ما يحكم به على الإنسان هو عادات حولت إلى عبادات وما يسمى جرائم الشرف ليست من العادات ولا بالعبادات، بل هي من انحراف المجتمع وجاء الإسلام ليضع قانوناً منظماً وهناك ضوابط لكل علاقة إنسانية ولكل تهمة من التهم، ولهذا فإن المذاهب واحة واسعة لتخرجنا من الضياع ، فوضعنا سدوداً تمنعنا من الاتصال ببعضنا بعضاً ، مع أن العقائد مرتبطة بالإله وهو واحد ، والعادات مقننة داخل ساحة الشريعة وسماها الشرع العرف ولكن العرف منضبط في مظلة القانون وليس العرف ما يهواه الإنسان في حياته ، فكثير من الأعراف بائدة وليست سائدة لهذا ما نطالب به اليوم تثقيف أبنائنا في المجتمع ، وقال: الشرف والأخلاق تصانان بالتربية والسلوك لا بالأحكام والحدود ، ونبدأ من التربية السلوكية من البيت إلى المسجد وإلى الجامعة عندها لن نجد تلك الظواهر، وينصح شيخ اسحق الأمهات والآباء أن ينتبهوا لأبنائهم لأن هناك اختراقاً من الفضائيات تتحدث باسم الدين والعادات والطوائف لاعادتنا إلى عصر الظلام ويؤكد ضرورة إعادة النظرفي الكثير من القوانين وسيكون لها دور في تعديل القانون في المذاهب الإسلامية! الراي العام