هناك فرق في قتل ذبابة الغناء! منى أبو زيد (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى).. نحن ما نزال في حاجة إلى الحديث عن دور الإقناع – في نص الفتاوى الشرعية – كضرورة تتحقق بالإبانة المتمثلة في تفنيد الأدلة وتسبيب الأحكام على نحو قاطع، يطاول منطق المجادلين ويراعي أكثر أفراد القافلة بطئاً – أعني قافلة الفهم - .. حتى لا يقع المواطن السوداني المسلم - المكلف بالامتثال اتباعاً واجتناباً – في لجة الحيرة من مواقف هيئة شرعية موقرة يحترم أحكامها.. بل ويمتثل لها دون قيد أو شرط.. وإن بقي في نفسه شيء من الحيرة! جزء بعينه من فتوى هيئة علماء السودان بشأن سفر الفنانين والفنانات للغناء بين يدي شريف نيجيريا.. استوقفني - جدا - .. ذلك المتعلق بحرمة الأموال المكتسبة من تلك الرحلات التي تسيء إلى الدولة الإسلامية! إذ وبحسب أخبار معظم الصحف قالت هيئة علماء السودان على لسان د.عبد الرحمن حسن أحمد حامد أمين دائرة الفتوى بالهيئة، إن سفر الفنانين والفنانات إلى نيجيريا مخالف لشرع الله وفيه إساءة للدولة الإسلامية وإن الأموال المكتسبة من هذه الرحلات هي أموال حرام.. سبب الحيرة ليس منع أو تحريم هذه الرحلات التي كثر الهجوم عليه والامتعاض منها.. بل مبعث الدهشة هو (توقيت) و(مضامين) بعض الفتاوى التي باتت تصدر عن هيئة علماء السودان مؤخراً.. الحيرة هنا – أيضاً – ليست من مبادرة الهيئة بإصدار الفتاوى في شؤون فنية.. بل في صمتها الكبير عن البت – أحياناً - في شأن محيرات أمضى تأثيراً.. ومغيرات أكثر إلحاحاً من حزمة فنانين قد يسيئون لسمعة مليون ميل مربع بالوقوف المبتذل بين يدي حاكم ثري مشكوك في نزاهة دعواته.. وقد لا يسيئون! مثلاً.. لماذا صمتت هيئة علماء السودان عندما اندلعت ثورة الصحافة على ابتذال القنوات الفضائية السودانية – جمعاء - لأجواء شهر رمضان الكريم، الروحانية، بالإصرار على المبالغة في برمجة الغناء.. حتى لكأن السائح بين قنواتنا الفضائية من خارج الإطار المحلي يحسب أننا شعب يصوم ثم (يخرم) للغناء.. ثم يفطر على الوصلات الجماعية.. قبل أن يتمايل مع أنغام الموسيقى وهو بين يدي التراويح.. ثم يرقص ويدندن مع سهرات الطرب حتى قبيل صلاة التهجد! أين كانت هيئة علماء السودان من سمعة (السودان) الدولة الإسلامية عندما رسخت في أذهان الآخرين – في مجتمعات أقل ورعاً وتقوى - صورة الشعب الذي يغني ويتغنى طيلة شهر رمضان.. منذ صلاة المغرب وحتى أذان الفجر.. لئن كان معازيم شريف نيجريا يمثلون أنفسهم ويسيئون لشريحة بعينها فإن فضيحة الإعلام السوداني في رمضان كانت تسيء إلى شعب الدولة الإسلامية كافة.. لماذا؟!.. لأن الفنان يمثل نفسه وقطاعه الفني بأكمله – هذا إن بالغ - أما الإعلام فيمثل ذوق الشعب.. ومنطلقاته.. وقناعاته.. وعيوبه أيضاً! إذا كان السكوت في معرض الحاجة إلى بيان يعتبر بيانًا وفي رواية قبولاً – بحسب القاعدة الفقهية – فلماذا تسكت هيئة علماء السودان عن بعض وجوه الظلم والتقصير في المعاملات الحكومية.. وعن تفشي تلك الظواهر السالبة التي تنخر في تماسك المجتمع المسلم.. لماذا تصمت طويلاً في معرض الحاجة إلى بيانها في شؤون أكبر وأكثر إلحاحاً.. ثم تتكلم في جزئيات وتفاصيل ومنمنمات مثل حرمة أموال المسافرين إلى مادوغري! طيب ماذا عن حكم الأموال المكتسبة من عموم الغناء الهابط ؟!.. (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)! التيار