بالمنطق نفي الهمس !!! صلاح عووضة * براءة الأطفال قد تدفع بهم أحياناً إلى توكيد ما يودون نفيه .. * فقد يقول أحدهم مثلاً مخاطباً أباه : «والله يا أبوى عجل عربتك ده ما نفَّستو أنا ».. * وبما أن أباه هذا يكون جاهلاً أصلاً بالذي حدث لإطار سيارته فإن شكوكه تتجه فوراً نحو «النافي» الصغير الذي «ثبَّت » التهمة على نفسه من حيث أراد إبعاد نفسه هذه عنها .. * فبراءة الأطفال تعصمهم عن «إجادة !!» الكذب الذي من شأنه أن ينزع عنهم صفة البراءة هذه .. * ولكن الكذب «الطفولي » هذا نفسه إذا لم يسع الكبار إلى وضع حدٍّ له عبر الترغيب في الصدق فإن صاحبه يمكن أن يكون مشروع رجل يتحرى الكذب غير البريء على شعب بحاله إذا ما قُدِّر له أن يلي أمراً من أمور الناس .. * فالكذب من تلقاء الساسة ممقوت لدى الشعوب كافة وليس فقط تلك التي يحكمها ساسة باسم أديان تحرِّم الكذب .. * فدين الإسلام مثلاً ينزع عن الكاذب صفة الإيمان مع جواز أن يزني المرء ، وأن يسكر ، وأن يسرق ، ثم يظل مؤمناً حسب الحديث الشريف .. * وشعب أمريكا عاب من قبل على رئيسه كلنتون غير المسلم كذبه عليهم في قضية مونيكا أكثر مما عاب عليه «عبثه » معها .. * وشعبنا السوداني يتهامس هذه الأيام بما قال انه كذب مُورِس عليه سياساً نفياً لما رشح عن أسباب غير معلنة للإعلان المفاجئ والعجيب عن إجازة عيد الأضحى .. * إجازة عمرها تسعة أيام بلياليها «خبط !!» الإعلان عنها عقول الناس ،وقلوبهم ، و«جيوبهم » بعد ظهر يوم الخميس الفائت .. * فهو توقيت لم يعتد الناس على «فجائيته !! »من تلقاء الانقاذ طوال سنوات حكمها العشرين ونيف .. * وأيام إجازة لم يعتادوا على « طولها » كذلك ... * وأيضاً لم يعتادوا على ما يبدو «ظاهره » وكأنه «رحمة!!» بهم لقضاء إجازة «سعيدة ».. * بل العكس من ذلك تماماً هو ما اعتاد عليه الناس من تلقاء ساسة الإنقاذ .. * فقد اعتادوا على أن تفعل «الإنقاذ» تجاههم كل ما يعكر صفوهم ، ويقلق بالهم ، ويُضاعف ألمهم .. * ولعل أصدق مثال على ذلك سيما في موضوع إجازات الأعياد هو «تضييقها »على الناس في آخر عيد لمّا تنقضي ذكراه بعد .. *عيد الفطر «القريب ده » .. * فقد استكثرت «الإنقاذ» على الناس قضاء أيام العيد «كاملة !! » مظهرةً لهم حرصاً على الإنتاج ومضمرة ً نحوهم ما يُعبَّر عنه بمثل شعبي قائل :« من خلّ عادتو قلّت سعادتو ».. * فهي «لا يسعدها » حسبما وقر في صدور الكثيرين _ أن ترى الناس «سعداء » .. * إذاً ما هي أسباب «الرحمة » التي «تنَّزلت !!» على «الإنقاذ» فجأة تجاه المواطنين جاعلةً إياها تتفضل عليهم بتسعة أيام بالتمام والكمال ؟! .. * أنه حسب الهمس الذي أشرنا إليه الفلس الذي تعانيه خزائن بنوكهم .. * فقد قيل أن هنالك شحاً في السيولة جعلها في قِصَرِ كفن مصعب بن عمير .. * فإن هي غطَّت المستوزرين والمستشارين و«المنتظمين !!» والموالين والمحاسيب فلن تغطي أصحاب الأجور الآخرين من «ناس قريحتي راحت ».. * وإن هي غطَّت هؤلاء الأخيرين فسينكشف الأُولون .. * إذا فليكن هو القرار الذي يتسق مع «طبع !!» الإنقاذ غير «المقلل لسعادتها !!» .. * وإذا «صدق »هذا الذي يتهامس به الناس فان الإنقاذ تكون قد «كذبت » حين نفت صلة «فجائية » الإعلان عن الإجازة بشح في السيولة .. * وأما إذا كذب « الهمس» و«صدقت » الإنقاذ فإنه «يلزمها » في الحالة هذه تفسير منطقي لطولٍ في الإجازة لا يماثله إلا طول عرقوب الفتاة تلك التي قال الشاعر أنه كاد أن «يتوكَّح» بخطبتها .. * طول في الإجازة لم «تتفضل !!» الإنقاذ على الناس بمثله أبداً .. * ثم إن « النفي » هذا نفسه كان رداً على اتهام لم يتجاوز حاجز الهمس مما يجعله أشبه بنفي الطفل «تنفيسه» لإطار سيارة والده .. * وشتان ما بين نفي طفولي «بريء» ونفي «سياسي » يماثل نفي كلنتون عبثه مع مونيكا .. * فنتمنى رغم كل شيء أن تكون حكومتنا صادقة حتى لا يترسخ لدى الناس إنطباع في أذهانهم عنها .. * فما أسوأ أن يقول شعب : إذا نفت حكومتنا فكذبوها .. * أو أن يصف ساسته بأنهم «كذَّابون !!» . الصحافة