[email protected] من يعش في هذه البلاد يسمع ويرى العجب العجاب بل ويصل درجة يقلق فيها على سلامة قواه العقلية....ومن الأشياء العجيبة التى تابعتها مؤخراً في وسائل الأعلام عزم الدولة على انشاء لجنة تسمى ( لجنة الفساد )....وعلى ذكر اللجان والمفوضيات ، فقد حفلت بلادنا بعشرات المفوضيات سيئة الذكر أشهرها ما رتب للأنتخابات المخجوجة وآخرها ما جلب النحس والشؤم وأسفر عن فصل الجنوب عن الشمال ، وما بين هذا وذاك مفوضيات ولجان أخرى تعمل في أعمال لا نعلم عنها شيئاً كثيراً.....ولكن عندما تنهى هذه المفوضيات أعمالها ، يكون الناتج دائماً صفراً كبيراً على الشمال....... وكنا نأمل أن نسمع بانشاء لجنة تسمى ( لجنة السعادة ) وتعنى بجلب الفرح والسرور لعيون أطفال ونساء وشيوخ السودان.....حيث قيل ، والعهدة على الراوى ، أن بلادنا هذه من أكثر بلاد الله جلباً للتعاسة والبؤس لمواطنيها.... أما بالنسبة للجنة الفساد المقترحة ، فلدي استفسار حول التسمية بحيث اذا كان الأسم الذى سيتم أختياره للجنة هو ( لجنة الفساد ) كما ورد في الوسائط الأعلامية ، فهذا يعنى أن هذه اللجنة ستكون مسئولة عن رعاية الفساد والمفسدين والقيام بشئونهم وتسهيل أمورهم وتدريبهم حتى يتمكنوا من السرقة بعرق جبينهم....وحتى لا يعيرهم معاير بأنهم مفسدون مبتدئون لا يعرفون الفرق بين المليار بالعربى والبليون بالانجليزى... وفي تقديرى أن الأسم بهذا الشكل لايستقيم لأن فيه تعدى على حقوق كبار المفسدين المحترفين الذين لو لا فسادهم المؤسس وهبرهم المبرمج لما مات شعب السودان جوعاً ومسغبة ولما وصلت ديون البلاد الى تلك الأرقام الفلكية التى نسمع عنها ، رغم أن بلاد السودان ظلت دائماً حبلى بخيرات الدنيا كلها على ظاهر الأرض وباطنها..... أما اذا تمت تسمية اللجنة الجديدة ( لجنة محاربة الفساد ) مثلاً ، فان هذا الأسم أيضاً يطرح العديد من التساؤلات ، ويضع الكثير من علامات الأستفهام ، بل ويقدح في أهلية كافة مؤسسات الدولة المعنية بالحفاظ على المال العام واشاعة العدل والمساواة بين المواطنين وتأكيد سيادة القانون ...وعلى سبيل المثال وليس الحصر أين مسئولية الأجهزة التالية وغيرها من محاربة الفساد : 1. ديوان النائب العام 2. ديوان المراجع العام 3. ديوان المظالم والحسبة 4. ديوان الضرائب 5. الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس 6. الجمارك 7. لجنة الأختيار للخدمة العامة 8. كافة وزارات القطاع الأقتصادى والعون الأنسانى 9. بنك السودان والبنوك الأخرى 10. الأمن الأقتصادى 11. الشرطة 12. وزارة العدل نقول أين دور هذه الأجهزة الحصرى في ردع اللصوص وذوى الذمم الخربة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل جهاراً نهاراً حتى أطلق على الدولة لفظ ( دولة الجبايات ) في اشارة لما يدفعه المواطن المرهق من لحمه ودمه لتأمين المعيشة الكريمة والتعليم والعلاج له ولأسرته...... ، وأين دورها في مكافحة الفساد المستتر الأكثر دماراً و المتمثل في استشراء الواسطة والمحسوبية كأعفاء المحاسيب من الضرائب ورسوم الجمارك ، وأرساء المناقصات عليهم رغم عروضهم الهزيلة التى لاتلبى شروط الكفاءة المهنية ، وتمرير بضائعهم الفاسدة والمسرطنه عبر هيئة المواصفات ، وأقراضهم من البنوك دون ضمانات ، وبيع مؤسسات الدولة من خلالهم لقاء العمولات المليارية ، وتفصيل قوانين الأستثمار على مقاساتهم ، وتعيين أبنائهم غير الأكفاء في الوزارات والهيئات من قبل لجنة الأختيار للخدمة العامة التى تدّعى الشفافية وهى أبعد ما تكون عنها حتى استحالت الخدمة العامة والخدمة الخارجية الى مؤسسات خيرية تدفع لمنسوبيها دون مقابل من الكفاءة والجدارة ،...الى آخر القائمة الأكثر سواداً من يوم النحس المستمر.....وكانت النتيجة الحتمية لهذا الأنفلات أن أصبح بعض السودانيين المتنفذين شبه الأميين ، يعيشون حياة أكثر رغداً مما يعيشه أساطين المال والتجارة والصناعة في أوربا وأمريكا واليابان ، بينما سحق الفقر والمرض غالب الشعب السودانى ممن يأكلون البوش و موية الفول وموية الجبنة والكسرة بالموية...حتى أصبح الماء قاسماً مشتركاً في الوجبات السودانية ...واذا كان الأطباء يقولون أن جسم الأنسان يحتوى على ما نسبته 60% من الماء ، فان جسم الأنسان السودانى يحتوى على الماء بنسبة 100% .....ألا تراهم يا صديقى يمرون بجانبك مر السحاب لا ريث ولا عجل بسبب الهزال وضعف البنية والأمراض المستوطنة في الجسم كالملاريا والتايفويد.... وعموماً فان الفرضية التى تطرح نفسها على عجل هى أن الجهات المشار اليها أعلاه ، أما أن تكون قد فشلت أو قصرت أو شاركت في منظومة الفساد مما استدعى التفكيرفى تشكيل لجنة للفساد قائمة بذاتها.....وبالطبع لا يغيب عن فطنتك يا صديقى أن الجهات المذكورة ثمثل الحكومة ذاتها.....فاذا فشلت الأجهزة الحكومية بكل جبروتها في محاربة الفساد ( تقارير المراجع العام كمثال ) فمن أين يؤتى بلجنة شفافة تتولى هذه المسئولية الجسيمة.....أمن المريخ ؟؟؟؟ وما هى الصلاحيات التى ستمنح لها؟؟؟ ومن سيمنحها هذه الصلاحيات؟؟ ومن سيفك الأشتباك الذى سيحدث بينها وبين الأجهزة الحكومية الأخرى؟؟؟؟ ومن أى جهة سيتم تعيين أعضاؤها....أمن المريخ أيضاً ؟؟؟....وهل ستعمل باستقلال دون أن يسلخ جلدها....أم انها ستكون مسلوخة الجلد من الأساس؟؟ وتذكرت وأنا أكتب هذه العجالة جلوسى عام 2004 لدى ديوان الحسبة والمظالم لساعات أدبج الشكاوى التى لم تر النور حتى هذه اللحظة.....كما تذكرت لجنة اعادة المفصولين التى أعادت المفصولين أعلامياً ولم تعدهم فعلياً ولم تعوضهم قرشاً واحداً....كذلك أذكر خطاب ترقيتى الذى قبع لدى مدير مكتب السيد رئيس الجمهورية 12 شهراً بالتمام والكمال ولم يقدم للرئيس الى أن تمت أحالتى الى المعاش...ثم قالوا بعد ذلك أن هذا الشخص – أى أنا - لو لم تتم احالته للمعاش لتمت ترقيته ....ياسلام...وكأننى تلميذ فى مدرسة هبنّقة الأبتدائية.....وهنالك العديد من الأمثلة الساخرة التى تعرض ويتعرض لها أبناء هذا الوطن كل يوم من دهاقنة المكوشين والمكنكشين على السلطة والمال ولا يتفضلون بهما الا لمن يلبى شروطهم وهى كثيرة لا يستطيع الشرفاء الأكفاء من النزول الى دركها الأسفل. وخلاصة القول أن لجنة الفساد المقترحة ستكون أول من سيقنن الفساد في هذه البلاد المسكينة وأول من يجد للفساد المخارج والمبررات .....وستقول هذه اللجنة في تقريرها الختامى ، أنها في بحثها المضنى ومراجعتها لكل أشكال الفساد، الذى تابعت مصادره عبر اللجان الفرعية المكونه من كبار الخبراء والمستشارين الأقتصاديين والقانونيين الذين أضطروا الى السفر الى الخارج لمتابعة هذه المهمة -- ستقول أنها لم تعثر على ما يشير أو يفيد بوجود فساد أو أفساد فى هذه البلاد الطيبة ، وأن كل ما يدور من أحاديث حول هذا الموضوع أنما هو من قبيل الخطرفات التى يهذى بها المعارضون الحاقدون الموتورون و العلمانيون و الشيوعيون و البعثيون ، وأعضاء الأحزاب الطائفية الفاشلة من أمة وأتحادى ومنظمات مجتمع مدنى .......... الخ ( يعنى كل الشعب السودانى )... وبهذا تكون الدولة قد عثرت على الأدلة التى لا يرقى اليها الشك والتى تؤكد نظافة قلبها ويدها ولسانها.....ثم بعد ذلك يتم دفع الملايين كمستحقات للخبراء والمستشارين وايجارات المبانى والسيارات ومعينات العمل التى ربما يستجلب بعضها من الخارج و يتطلب الأمر أعفاؤها من الجمارك والضرائب......ثم أخيراً يتم استصدار فتوى من علماء الحيض والنفاس ( على حد تعبير بعض الأخوة الأسفيريين ) يباركون فيها عمل اللجنة ويصفون من يقدح في أدائها بالكفر والزندقة. يقول الحق سبحانه وتعالى ( واذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون....الآ انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) صدق الله العظيم..... البقرة....الآيتان ( 11 ) و ( 12 ).