جاهزين؟؟؟ الصادق المهدي الشريف أمس الأحد... أوقف شرطي المرور عربة (قريس = 11 راكب) بالقرب من مسجد الشهيد (صينية الطيارة سابقاً)، ولم يستخدم الصفارة أو إشارة اليد لإيقاف العربة. بل إستخدم الشرطي جسده، بأن وقف أمام العربة، بحيث لا يبقى أمام السائق سوى الوقوف المفاجئ (وكلّ ما يترتب على الركاب جراء ذلك) أو دهس الشرطي إذا كانت العربة مسرعة... وهذا مشهد (بطولي!!!) تميز به الكثير من رجال المرور في الآونة الأخيرة. لكنّ الحوار الذي دار بين الرجلين هو الأكثر إثارة للدهشة. سأل الشرطي (رخصتك؟؟؟). ضحك صاحب العربة وأجابه (أنا جيتك جاهز ياجنابو!!!). وأخرج من جيبه إيصال (غرامة) وقدّمه للشرطي... نظر الشرطي للإيصال، وابتسم قائلاً (والله إنت فعلاً جاهز)... وسمح له لاعبور. سائق العربة قال لي (إنت عارف إنُّو أوّل حاجة بعملها بعد السواك وصلاة الصبح هي الذهاب لى بتاع المرور وقطع إيصال بتلاتين جنيه، وبعد داك ارجع البيت، اشرب الشاي، وأدي الأولاد مصاريف المدارس). سالته (بتقطع إيصال على لا شيئ... يعني تقطع الإيصال قبل المخالفة؟؟؟). ضرب كفاً بكف وقال : الإيصال دا اسمو (دعوني اعيش)، ولو ما عندك أيِّ مخالفة، الجماعة ديل بيلقو ليك واحدة. ولكنّه عرج الى الإستثناء، وحدثني عن ضابط شرطة بعينه، ووصفه بأنّه (راجل ضكران)، يذهب إليه صباحاً حينما لا يكونُ في جيبه سوى مصاريف المدارس (يذهب هو وعدد آخر من سائقي الهايسات والقريسات) وهم لا يملكون رسوم الإيصال فيقوم الضابط بقطع إيصالات وتسليفها لهم، على أن يسددوا قيمتها قبل منتصف النهار. هذه هي الأهمية التي وصلت إليها (إيصالات المرور) في حياة الاسر السودانية... أن يصبح الإيصال أهمّ من مصاريف المدارس... وأهم من شرب الشاي... بل واصبحت جواز سفر لمواصلة الحياة. وعبارة (دعوني أعيش) هي اسم لفيلم مصري قديم منذ الخمسينات، وراجت العبارة في بداية عهد الإنقاذ، زمن التمكين، حيث كان الرياء هو أساس البقاء في الوظيفة، وكارت العبور للمصالح، فكانت اللحية الكثيفة تُسمى (من أجل أبنائي)، واللحية الصغيرة تُسمى (دعوني أعيش). وللاسف فإنّ شرطة المرور اصبحت بعبعاً كبيراً في حياة المواطنين، خاصة الذين يعتمدون على النقل العام في كسب عيشهم. فشرطة المرور لها (جُعل) مقدَّر من دخل هؤلاء، ولأنّها اصبحت مثل (القَدَر النافذ)، فلا أحد يرغب في مقاومتها... بل يستسلمون لها بقلوبٍ غاضبة. ولانّ رجل المرور هو (أول ما يقابل المواطنين من مظاهر السلطة السياسية الحاكمة)... فأتوقع أن تبدأ الثورة السودانية من إحتكاك بين رجال المرور والمواطنين. ذلك لأنّ المواطنين على قناعة لا تقبل الجدل والنقاش بأنّ ما تقوم به شرطة المرور هو محض جباية، وليس فيه أيِّ جانب إصلاحي أو منعي. وسيناريو الكارثة يمكن أن يكون بسيطاً للدرجة التي لا تخطر على بال أحد. مجرد حدث عادي... يوقف فيه رجل مرور (مسكين ومأمور) مواطناً... ويتعسف معه في استخدام القانون... وتكون النتيجة هياج شعبي ضد هذه الطريقة الغريبة و(البطولية!!) في التحصيل والتوزيع، تحصيل الأموال... وتوزيع الظلم. صحيفة التيار