[email protected] هناك في غابة (الصحراء السوداء) كانت تعيش مجموعات و قبائل مختلفة من الحيوانات و الطيور، تنوعت لوناً و شكلاً و حجماً و ثقافة، كان منها الذي يطير و الذي يمشي و آخر يزحف، و لكن ما يجمعها جميعاً أنها كانت تتحدث اللغة السوداء، و هي لغة منسوبة إلى الغابة التي قطنتها تلك الحيوانات. كانت غابة الصحراء السوداء غابة غريبة، لم تعرف يوماً معنى أن تكون غابة فقط أو صحراء فقط، بل كانت ذات طبيعة متقلبة، و تبعاً لذلك تقلب نظام الحكم فيها، فتارة حكمتها الأسود بشريعة الغاب، و تارة أخرى حكمتها الثعالب بشريعة الصحراء، و لكن في مرات قليلة حكمتها النعاج و الخراف بشرائع مختلطة غير محددة الملامح سُميت بالشرائع الديموخرافية (نسبة للخراف). ذات صباح، استيقظت الغابة الصحراوية على هرج و مرج غير معهود، و خرج سكان الغابة يستطلعون الأمر، فإذا بهم يفاجأون بأن قبيلة الثيران هي السبب وراء تلك الفوضى، كانت الثيران هائجة مائجة في وجه السكان، مطالبة بأن يكون لها نصيب في حكم الغابة كسائر الحيوانات و هي التي لم تحظى بحكم الغابة مطلقاً، و حاول الجميع إقناع الثيران بأنها لا تصلح لتلك المهمة، لما تتمتع به من عقل مغلق و ذكاء محدود، كما أنه ليس لها إستراتيجية واضحة للحكم، و الميزة الوحيدة التي تتمتع بها هي قرونها الحادة و التي تستخدمها في المصارعة فيما بينها، و لكن من يقنع الثيران التي استخدمت سياسة الأصوات العالية للتشويش على السكان، كما أنها هددت بالتوقف عن وظيفتها الأساسية و هي إمداد الغابة بالماء عن طريق الدوران حول الساقية، و بعد أن باءت محاولات السكان بالفشل في إقناع الثيران، إتفقوا فيما بينهم على إعطاء فرصة لقبيلة الثيران لتقوم (بالتجربة فقط) و إن نجحت سمحوا لها بالإستمرار! فرحت الثيران فرحاً عظيماً بتلك الفرصة التي أتتها من السماء و هي متأكدة أن لولا ضجيجها و جعجعتها لما وجدتها. و احتفلت بالمناسبة العظيمة بدعوة جميع الثيران من الغابات المجاورة و أخذت ترقص و تأكل و تشرب متناسية أن ما أعطته لها السكان هو فرصة لتجربة الحكم فقط و ليس حكماً. مرت الأيام و الثيران تحكم الغابة، و قامت بتثبيت أقدامها مستخدمة كافة الوسائل المشروعة و الشيطانية في ذلك، و تركت مهمة إمداد الغابة بالماء فعطشت الحيوانات و ماتت أشجار الغابة و اشتعلت الحرائق في العشب و لم تجد من يطفئها لعدم وجود من يدور حول الساقية، و لم تكتفي الثيران بذلك بل إنها قامت بإشعال بعض الحرائق بنفسها حتى ينشغل السكان في عمليات الإطفاء، و كانت كلما ارتفعت أصوات سكان الغابة مطالبة بإزاحة الثيران الفاشلة، قامت هي باستخدام قرونها الحادة، و تمكنت بالنهاية من منع السكان حتى من التنفس! و هنا قامت حيوانات الغابة بتوجيه اللوم إلى قبيلة النعاج التي كانت تتولى حكم الغابة عندما هاجت الثيران قبل سنوات عديدة. و كعادتها قبيلة النعاج ذات المواقف المهزوزة، تنصلت من المسئولية. و استمر الحال هكذا لسنوات عديدة، إلى أن تناست الحيوانات القصة و لم تعد تهتم، و انطفأت جذوة مقاومتها و انصرفت إلى ممارسة نشاطاتها اليومية بتكاسل ملحوظ، بل أن الثيران نفسها تناست و ترهلت، و لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، تفجر الوضع داخل الغابة حينما بدأت قبيلة الثيران تتصارع فيما بينها، و أصبح كل ثور فيها يستخدم قرونه لطعن الثور الذي يختلف معه من مؤخرته ليزيحه عن الطريق، و السبب أنها كانت جميعاً تسعى لهدف واحد، و لكن لم يجرؤ أي ثور على الإعلان عنه! و هنا فرح السكان معتقدين بإقتراب نهاية حكم الثيران. أصبحت الغابة كحلبة ضخمة، بداخلها ثيران كثيرة، كبيرة و صغيرة، بيضاء و سوداء و حمراء و (بمبية)، و جلس السكان على أشجار الغابة يتفرجون بانبساط و استمتاع ملحوظين، فالجمهور دائماً يشجع اللعبة المثيرة، كانت الثيران فيما بينها تتوعد المتفرجين بالثبور و عظائم الأمور، حال انتهائها من المصارعة و إعلان الفائز فيما بينها.. مَرْقَة.. مصارعة الثيران: رياضة أسبانية قديمة تتم فيها المواجهة بين المصارع والثور في حلبة على مرأى ومسمع من الناس الذين يحضرون لمشاهدة تغلب الإنسان على الحيوان. تعتبر هذه الرياضة من أخطر الرياضات على مُمارسيها، إذ أن المصارع لا تتوفر لجسده الحماية الكافية من قرون الثور و التي لا بد أن تكون حادة وأن يكون الثور قوياً ضخم البنية. تسبق مصارعة الثيران عادة قديمة وهي إطلاق الثيران من حظائرها لتصل إلى حلبة المصارعة ويجري الناس أمامها وهم يرتدون محارم حمراء اللون للاعتقاد بأن اللون الأحمر يثير الثور، ويتسابق الناس بالجري أمام الثيران حتى تصل إلى الحلبة، الجدير بالذكر أن هناك إصابات تحدث بين الناس بسبب ذلك، لكنهم يحبون المشاركة فيها بإعتبارها دليلاً على الشجاعة وضرباً من ضروب الإثارة والمغامرة. تبدأ المصارعات باستعراض المصارعين الراكبين والراجلين وكذلك المساعدين المترجلين الذين يساعدون المصارع في حال ظهرت الحاجة لتشتيت انتباه الثور عن المصارع. ما أن تنتهي المصارعة بمصرع الثور، تدخل البغال ويكون عددها حوالي 4 لجر الثور للخارج، ويكون الجزارون بانتظاره، ليتم تقطيع لحمه ثم يباع.