مقتطف (2) كًجُول حُكِيَ أنّ زوجينِ كانا يشتهيانِ الولد. وبعد طول انتظارِ رُزقا طفلا جميلا ملأ حياتهما أملا وسعادةً. وطفقا يدلّلانه ويعظمانه ولا يأليان جهداً في تلبية كل طلباته. وكان الولد شرها لا يتوقف عن المضغ و"المصمصة" أبدا. ويتعب الأبوان في العمل والجلب والإطعام والطفل "ينسٍف" و"يلهط" و"يكَرِّع". واستمر ينمو وينمو داخل سريره, حتى امتلأ السرير به. وتمر الأشهر والسنوات والطفل لا ينقلب على جانبه ولا يجلس ولا يحبو, كأنما به شللُ عام لم يدع مفصلاً ولاعصبا إلا عصب الأعين والحنك والشفاه. وكان يطلب ما يريد بنظرة عين جانبية لطيفة ويعبر عن الشكر بابتسامة حنونة. وبعد انتظار من هرولات بين الحكماء والسحرة والعشابين بدأ اليأس يدبّ في نفوس الوالدين وعشيرتها. وبدأ التقاعس في تقديم "المطايب" و"الحلاوات", وبدأ الطفل بالرجم في فرقعة الآذان بالبكاء شديدة الحِدَّة وكأنه يطلق شفرات حلاقة ومسامير في كافة الاتجاهات. وهموا بإهماله والأتكال على الغيب يأتي بمعجزة, قد تكون الموت لهذا "الشقيّ البقيّ"و "دُرْناهو فزَعْ, بِقا لينا وجَعْ". . غير أنّ عجوزا شمطاء نصحتهما بعرض الطفل للشيخ "بِريمة الرّغوم". وكان بريمة الرغوم شاع صيته وسط الناس بالقدرة على علاج سائر الأمراض إلا "الأجَل", على حَدِّ زعمِه وزعمهم. شدّ الرجال الحمير قاصدين الشيخ بريمة في موقع إقامته البعيد. شقوا الغابات وتنكبوا الوعورة والسياط تلهب "الزاملة, الحمير" بالألم لِتُغِذَّ المسير. وشمس الظهيرة تلسع, والعرقُ يتصبّب, والولد ملفوفُ في حصيرٍ ثُبِّتَ على ظهر البهيمة. وخرجوا من غابة شائكة إلى "قردود, رقعة من الأرض جرداء عالية" مقفرةٍ إلا شجيرات "تُنْضُبْ" متباعدات تأوي إليها الثعابين وتتكدس تحت أحجارها مستعمرات العقارب. ونشدوا الإسراع بضرب الحيوان وهم يتلفتون في الجهات الستّة. كآبةّ ما بعدها كآبة ووجلً يُجَلْجِل. وفي هذه الأثناء ينبعث صوت ‘نسان من شجيرة التضنب, " كيفِنِّكْ يا كَجول. مُوَدِّنِّك وين؟" ويرتبكون وترتتبك و "إنِسْ ولا جِنِس؟!! نَدِّيكَ الأمان, حسْبُنا الله ونِعْمَ الوكيل, حسبنا الله ونعم الوكيل.....". ولا شيئ يُرون ويردد الصدى "كيفنك يا كجول كيفنك يا كجول....". وبلا توقعٍ ولا مقدمات يصدر من داخل الحصير"البرش": أهلاً يا زول, قالوا مُوَدِّنِّي لبريمة الرغوم, كان يسًوِّيني ليهم زول"!!! تُب عليك يا ملعون وكلام كثير لم يلتفت له الولد. مَرَق من " البِرِش" وأطلق ساقيه كالبرق يلحق ببني عمّه في " شدر" التُنْضب. عبدالماجد محمد عبدالماجد الفكي [email protected]