في عام 1998وصلت كندا مع كريمتي مهيرة ، قبلها بشهور فقدنا الراحلة المقيمة المخرجة السينمائية المرموقة حورية حسن حاكم الناشطة في مجال حقوق الإنسان مع مجموعة كبيرة من الناشطين في المنظمة السودانية لحقوق الإنسان في مصر على رأسهم الراحل المقيم د.حمودة فتح الرحمن ، ومن بينهم على ما أذكر محجوب التجاني المقيم حاليا في الولاياتالمتحدة ومعه الصحفي فتحي الضو محمد ، والصحفي محمد حسن داؤود وكمال رمضان وغيرهم كان خبر وفاتها فاجعا جدا ، المئات من السودانيين المقيمين في مصر لم يصدقوا الخبر ، فتقاطروا إلى منزلنا العتيق في عين شمس وفي نادي عين شمس لتقديم العزاء لي ولأسرتها ، بعدها بشهور قليلة كما قلت وصلنا كندا مطار تورنتو ، ولكنا توجهنا إلى أتاوا رغم إصرار البعض على البقاء في تورنتو ، قضينا نحو عام كامل في أتاوا على ضيافة الحكومة الكندية ، هذا العام يشكل أهمية خاصة لنا لأننا تعرفنا على الحياة الكندية . كان وقتها الحزب الليبرالي الفيدرالي الكندي يقود الحكومة بأغلبية ويرؤسها القائد السياسي المحنك جان كريتيان . شهد الحزب الليبيرالي الفيديرالي الكندي تراجعا كبيرا في التأييد الشعبي والمصداقية منذ تنحي زعيمه ، رئيس الحكومة الكندية الأسبق جان كريتيان عام 2003 وتسلم بول مارتان السلطة وتشكيله حكومة أقلية لم تدم طويلا. وزاد الطين بلة إنشاء لجنة تحقيق ، عرفت بلجنة تحقيق غومري ، لم يسلم الحزب من سهامها ما زاده ضعفا في الأوساط الشعبية وأدى إلى خسارته أمام حزب المحافظين الذين شكلوا بدورهم حكومة أقلية بزعامة ستيفن هاربر عام 2006 ليتمكنوا بعدها من تشكيل حكومة أكثرية وما زالوا يمتلكون السلطة حتى اليوم . تم انتخاب زعيمين متتاليين هما ستيفان ديون ومايكل إبغناتيف فشلا فشلاً ذريعا في إدارة الحزب وتمكينه من السلطة ولم يتمكن الحزب الليبرالي في الانتخابات الفيديرالية الأخيرة من إحراز مركز متقدم وأنتقل الحزب الديمقراطي الجديد ولأول مرة كي يكون حزب المعارضة الأول . . الأسبوع الماضي إنتخب الحزب الليبرالي الفيدرالي الكندي جوستان ترودو زعيما جديدا له في أعقاب سباق على الزعامة فاز فيه ترودو بثمانين بالمائة من أصوات ناخبي الحزب ، وألقى ترودو كلمة في اعقاب فوزه دعا خلالها اللبراليين إلى توحيد صفوفهم تحسبا للانتخابات النيابية المقبلة عام 2015 ، ويواجه ترودو إعتبارا من يوم إنتخابه زعيما للحزب اختبارا سياسيا له كزعيم لحزب المعارضة الليبرالي . جوستان ترودو هو نجل رئيس الحكومة الكندية الراحل بيار اليوت ترودو ، وهو يواجه اليوم تحديات كثيرة على رأس الحزب الذي تراجعت شعبيته بحدة منذ نحو عشر سنوات. . لا شك أن حصول جوستان ترودو على هذه النسبة المرتفعة من التأييد داخل حزبه ومؤيديه يعني في ما تعني قناعة الليبرليين بقدرته على قيادة الحزب وإعادته إلى السلطة ، لكنه أيضا يطرح إشكالية أخرى ، بمعنى أنه يطلق يده في اتخاذ القرارات دون استشارات مسبقة وملزمة متسلحا بشعبيته ونتيجة التصويت العالية ، إضافة إلى كون هذه النتيجة تضع عبئا كبيرا على كاهله وقد تضر به ، ذلك أن من يتمتع بمثل تلك الشعبية وبذاك السقف العالي من التأييد ، ينتظر منه الكثير وقد يخيب الأمال الكبيرة المعلقة على أدائه وقيادته . . البعض يقول أن معظم الناخبين لا ينتخبون على أساس برنامج الحزب إنما على أساس شخصية الزعيم متأثرين بالمشاعر والصورة التي يرونها على شاشات التلفزة فنحن نعيش اليوم في عصر التلفزيون والصورة ، ويبدو أن ترودو لديه القدرة ليس فقط على إثارة العواطف إنما أيضا على التفاعل مع مشاعر من يستمع إليه وهذه ظاهرة نادرة في السياسة . . . السؤال الآن هل سيتمكن ترودو من المحافظة على هذه الصورة الإيجابية حتى الانتخابات المقبلة عام 2015 ؟ المؤكد أن حزب المحافظين الحاكم بات يشعر بالقلق بدليل عدم انتظار أكثر من أربع وعشرين ساعة لإطلاق حملتهم الناقدة ودعايتهم السلبية ضد ترودو عبر موقعهم الرسمي . ويبقى السؤال الأساسي : هل يتمكن الليبيراليون من العودة إلى السلطة عبر الانتخابات المقبلة ؟ لا أحد يستطيع الجزم بإمتلاك الحقيقة ليس في كندا فحسب بل ربما في العديد من الدول العربية بما فيها السودان، ومن خلال علاقاتي مع بعض الصحفيين الكنديين سواء في حزب المحافظين أو الحزب الديمقراطي الجديد فإن الكنديين يشعرون بشيء من القلق بعد عشر سنوات من الحكم أيا كانت الحكومة القائمة وأيا كان الحزب الحاكم ،لأنهم يبدأون البحث عن البديل . يبقى أن البديل قد لا يكون بالضرورة الحزب الليبيرالي إنما ربما الحزب الديموقراطي الجديد ، حزب المعارضة الرسمية والذي لم يتسلم السلطة في كندا منذ إنشائه [email protected] .