للغراء «الرأي العام» باب يحمل عنوان «أخبار منتهية الصلاحية» أو نحو ذلك، تنشره من حين إلى آخر، ترصد فيه بعض أقوال السياسيين والنافذين التي سبق أن أطلقوها في الهواء الطلق، واعدين ومبشرين، أو متوعدين ومهددين، بأرق العبارات في الحالة الأولى، وبأقساها في الحالة الثانية، ولكن لا تلبث هذه الأقوال إلا قليلاً حتى يبددها الواقع وتهزمها الواقعية التي تفرض مآلاً يفضي إلى معكوس ما عكسته تلك الأقوال الجزافية، إما بإنتهاء الوعود والبشريات الواعدة إلى المحصلة صفر، أو أن تؤول التوعدات والتهديدات الراعدة إلى موادعة ومسالمة، بلسان حال قائل «ما أحلى التصافي من بعد التجافي» كما يغني المغني، والملاحظ أن مثل هذه التصريحات منتهية الصلاحية تتكاثر عند الملمات وينشط مطلقيها في ساعة الأزمات، دون أن يعتبروا ويتعظوا من تصريحاتهم السابقة أو يخجلوا من مردودها المخجل قياساً بالمصير الذي إنتهت إليه، فتراهم يعيدونها ويكررونها كلما حَزِب أمر أو حلّت أزمة دون أن يطرف لهم جفن. والمفارقة أن أغلب من تصدر عنهم هذه الأقوال المرسلة والتصريحات الهراء ليسوا أصحاب حق أصيل فيها ولا حتى حق مجاور بلغة لجنة المصنفات الأدبية والفنية، وإنما هي مجرد «شلاقة» منهم بقصد ترفيع ذواتهم وتضخيم أدوارهم على طريقة «أنفخ ولو حملك ريش» التي لا تكلف شيئاً سوى ملء الاشداق بالهواء ثم إفراغها منه فيعود الهواء إلى الهواء ولا يجد الناس إلا ريحها... في الآونة الأخيرة والبلاد تعايش حدثاً مؤلماً ومؤسفاً كالذي شهدته أبو كرشولا وما تبعه من موجات نزوح وتشرد أفرزت مشاهد تدمي لها القلوب، إذا بهولاء «المتشوبرين الشليقين» يعودون بقوة إلى الواجهة، يدلون بتصريحاتهم المعتادة ويوزعونها شمالاً ويميناً بلا حساب، بل يطلقونها هكذا مجانية ومجانبة للحقيقة والصواب، ثم لا يبالون وكأنها «ريح بطن» يخرجها صاحبها فيرتاح بينما يتأذى منها الآخرون، والمشكلة أن لا أحد عاقل راشد إستطاع أن يوقف مثل هذه الترهات عند حدها رغم ما أذيع حول تكوين غرفة عمليات إعلامية عُهد إليها مهمة تمليك الحقائق ونشر المعلومات الحقيقية والصحيحة، ولكن بلا جدوى فما زالت التصريحات تتخابط وتتضارب «عمّال على بطال» ومن كافة المستويات التنفيذية والسياسية لدرجة يمكن معها أن تسمع تصريحاً مجلجلاً لمسؤول صغير في «حشوا فرّوا» يدلي به في شأن أبو كرشولا التي لا يعرف بعضهم أين موقعها بالضبط في خارطة السودان أهي في شمال أم جنوب كردفان، فيقول عنها كلاماً ينتف شعر الحقيقة كما نتف الأعمش إبطه عندما دخل المسجد فوجد رجلاً يحدِّث الناس عنه، ويقول حدثنا الأعمش عن أبي إسحق عن أبي وائل، فدهش الأعمش لهذا الكاذب الأشر، فعمد إلى الجلوس في وسط الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه، قال الرجل يا شيخ ألا تستحي نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا، قال الأعمش الذي أنا فيه خير من الذي أنت فيه، قال كيف، قال الأعمش لأني في سُنة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدثتك مما تقول شيئاً... وليت قومنا من أصحاب التصريحات المضروبة لو عكفوا على نتف آباطهم بدلاً عن هذه البلبلة التي يمارسونها... فأن يمارسوا سنة فذلك أفضل لهم وللناس من هذه التصريحات المضرة. الصحافة