لقد عاشت الثقافة النوبية تحت عباءة التراث المصري بشكل دائم مما يعد أمرا خاطئا . لقد كان للنوبة ممالك مشهورة ومستقلة وحضارات مزدهرة مثل حضارة (كرمه) و (مروي) التي تقع اليوم فيما يعرف بالسودان . هناك اليوم الكثير من الآثار التي تدعو للإعجاب : الإهرامات النوبية ، المدافن والمعابد ذات المشاهد الأفريقية النموذجية كالأسود والأفيال . إن السودان يملك من الإهرامات ثلاثة أضعاف ما تملكه مصر تقريبا ، غير أنه وحتى اليوم فإن المهتمين بالتاريخ النوبي هم مجموعة صغيرة من علماء الآثار وأخرين ممن لهم خلفية معروفة . في أحدث الإكتشافات تم العثور في الشمال على (35) هرما نوبيا صغيرا بالقرب من قرية (صادينقا) بجانب النيل ويلقي حجم الإهرامات ضوءا جديدا على حياة المجتمع النوبي القديم ، لأنه يكشف عن أن هذه الإهرامات قد بنيت لأشخاص أقل ثراء وليس لملوك أو ملكات وبخلاف الفراعنة المصريين فإن الملكات لعبنّ دورا هاما في حكم الإمبراطورية نتيجة للنظام الأمومي (من أم) الأفريقي . لقد عرف عن النوبيين في التاريخ القديم بانهم محاربين وقد قاتلوا في الأعم جيرانهم المصريين وأشتهروا بإستخدام القوس والسهم . لذا فقد أطلق المصريون على أرض النوبة لفظة (تا سيتي) أي بلاد القوس . في فترات أخرى من التاريخ كان النوبيون ضحايا للقمع بل أقتيدوا كرقيق في مصر . إن صور النوبيين على الأحذية التي كان ينتعلها (توت عنخ آمون) تظهر مدى الكراهية بين الأمتين . على عهد السلالة الفرعونية ال 25 (حوالي 700 قبل الميلاد) . حكم النوبيون المنطقة التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى الخرطوم وكانت هذه هي الأمبراطورية التي عرفت بالأمبراطورية الكوشية (الفراعنة السود) وعاصمتها (نبته). خلال حكم النوبيين أحيت من جديد التقاليد الفرعونية ، الفنية ، الهندسية ،الدينية وقبل عامين تم نبش تماثيل كبيرة للحاكم النوبي (تهارقا) وأسلافه في (كرمه) . حول (كرمه) كانت هناك أمبراطورية نوبية قديمة مستقلة عاشت أربعة قرون منذ 1900 – 1570 قبل الميلاد ، أما أخر مملكة نوبية فهي تقع بعيدا إلى الجنوب بالقرب من الخرطوم وعاصمتها (مروي) وأستمرت منذ عام 593 قبل الميلاد حتى 350 بعد الميلاد وعلى المدافن والمعابد المروية وجد القليل من التأثيرات المصرية والكثير من التأثيرات الأفريقية . لقد تطورت الإمبراطوريات النوبية بشكل قوي لعدة أسباب جلية فقد كانت هذه الإمبراطوريات تقع بالقرب من الطرق التجارية الهامة بين أفريقيا والشمال بما في ذلك شعوب البحر الأبيض المتوسط . علاوة على ذلك فقد كانت التربة في تلك المناطق خصبة جدا لزراعة المحاصيل وتربية المواشي ، كما أنها تحتوي على مناجم الذهب . على الجانب الأخر فإن هناك مواقع نوبية يصعب الوصول إليها مما يفسر سبب بقاء الثقافة النوبية لقرون . إن ذلك بسبب شلالات النيل المندفعة والطبيعة الصحراوية المقفرة . ربما يستنتج المرء أن هناك ما يدعو للعحب أن يعرف العالم القليل عن التراث النوبي ، لكن حينما مضى علماء الآثار والمستكشفين جنوبا لم يتصوروا أن هناك حضارات نهضت مستقلة في أفريقيا وتطورت بشكل كبير وحتى اليوم فإن الأطفال المصريين لا يدرسّون شيئا في المدارس عن التأثيرات النوبية على تاريخهم المشهور عالميا . فقط حينما بني السد العالي في آسوان في ستينات القرن الماضي وهددت الآثار النوبية بالإختفاء تحت بحيرة ناصر الجديدة ، بدأ الإهتمام يوجه للحضارات النوبية القديمة . بالتنسيق مع (اليونسكو) فإن حملة إنقاذ إنقاذ دولية أدركت أهمية آثار النوبة وضرورة حفظها لأجيال قادمة . إن المنطقة التي تعرف اليوم ببحيرة ناصر كانت أرضا ل 100.000 نوبي كان عليهم إخلاء تلك الأرض ، نصفهم يعيش الآن جنوب البحيرة في السودان ، فيما كان على النصف الأخر أن يبدأ حياة جديدة في مصر العليا وبرحيلهم فقد إبتعدوا عن النيل الذي ظل يمثل شريانا لحياتهم لقرون فقد إعتمدت حياتهم اليومية عليه إضافة إلى تقاليدهم وإتصالهم الروحي مع الأسلاف . * masterpeace.org