بسم الله الرحمن الرحيم البنية التحتية .. هي تلك الضروريات والحاجات الماسة للنهضة العمرانية والاقتصادية والاجتماعية في بلدٍ ما ، وتشمل المنشآت والخدمات والتجهيزات الأساسية التي يحتاجها المجتمع مثل ( وسائل المواصلات -كالطرق والمطارات وسكك الحديد ووسائل الإتصالات كشبكة التلفون والإنترنت والبريد ، ونظام الصرف الصحي وشبكات المياه ، بل تشمل كل ما يتعلق بالبنية الفكرية والتوعوية والتثقيفية والتعليمية والتربوية للمجتمع . ويقولون إن البنية التحتية ( تساعد على تحديد مدى نجاح الأنشطة الصناعية والزراعية. كما تعمل الاستثمارات في مجالات المياه والصرف الصحي والطاقة والإسكان والنقل على تحسين الأحوال المعيشية، وتساعد على الحد من الفقر. وتعمل التكنولوجيات الجديدة في مجالي المعلومات والاتصالات على تشجيع النمو، كما تؤدي إلى تحسين تقديم خدمات الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأخرى، وتوسيع نطاق التعليم، ومساندة التقدم الاجتماعي والثقافي .). إذن " البنية التحتية " يفترض أنها من الأساسيات والضروريات لأي دولة من الدول لبناء مجتمع الرفاه والسعادة والتقدم . غير أن هذه البنية التحتية التي تعتبر شيئا أساسيا في معظم دول العالم ، لا توجد في دولة ( اسمها السودان ) .. ودليلنا على ذلك ، هو تلك الكوارث التي أصابت أجزاءاً كبيرة من البلاد بالدمار والهلاك جراء السيول والفيضانات في أغسطس 2013 ، حيث قالت منظمة الصحة العالمية إن المنطقة المحيطة بالعاصمة الخرطوم كانت الأكثر تضررا . وذكرت المنظمة أن " الأمطار الغزيرة والفيضانات في السودان أثرت على حياة وممتلكات نحو 65957 عائلة أو 320 ألف شخص ". وبينما تشير التقارير المستقلة إلى أن الخسائر الكبيرة الناجمة عن الأمطار والسيول مردها انعدام شبكات المياه والصرف الصحي في كل مدن السودان ، قررت ولاية الخرطوم منع بناء المنازل من الطين " الجالوص " . هذا القرار الحكومي لولاية الخرطوم ، يعتبر هروبا إلى الأمام ، ذلك أن الخسائر التي لحقت بالولايات المتأثرة ، لم تقتصر فقط على المنازل والبيوت المبنية " بالطين" ، بل أن معظم المنازل التي ذهبت مع السيول والفيضانات مبنية " بالطوب الأحمر " وبعضها " بالبلوكات الإسمنتية " .. وهذا يعني أن المشكلة ليست في البنيان ، إنما في شبكات صرف المياه والمخلفات السائلة . السودان وللأسف الشديد واحد من بلدان العالم القلائل جدا الذي لا يوجد به شبكات للصرف الصحي في كل مدنه ، رغم أن الصرف الصحي كما ذكرنا يعتبر من أهم العمليات اللازمة لضمان توفر البيئة الصالحة للأفراد والأسر في مجتمعات الأرياف والمدن على حدٍ سواء . والصرف الصحي هو : شبكة توزيع المياه ، والتي تعنى بتصريف المخلفات السائلة من المباني والمصانع إلى محطة المعالجة أو أماكن التصريف . ويهدف الصرف الصحي إلى : 1/ تسيير وإدارة المياه المستعملة 2/ تسيير مياه الأمطار 3/ الحماية الصحية 4/ الحماية ضد الفيضانات 5/ حماية المباني والمنشات والأساسات 6/ حماية مجاري المياه السطحية ومصادر المياه الجوفية من التلوث نعم ، ليس هناك شبكات للصرف الصحي في كل مدن السودان ، سواء كانت منزلية ، صناعية ، تجارية ، حكومية . ولذا في حالات وقوع كوارث طبيعية كالسيول والأمطار والفيضانات ، ولو بكميات صغيرة جدا تتساقط المنازل والبيوت والمساجد والخلاوي والعمارات كأوراق الشجر في فصل الجفاف . تتكرر مثل هذه الكوارث الطبيعية من فترة لأخرى في السودان ، سيما في العاصمة السودانية الخرطوم ، وبدل أن تتعرض الحكومات لهذه المشكلة الخطيرة جدا بوضع شبكات خاصة بصرف المياه ومحطة لتطهير المخلفات السائلة ، تجدها دائما ما تهرب من مسئوليتها إلى الأمام ، بقولها (الناس لو كانت بتبني منازلها وبيوتها بالطوب والبلوكات ما كان حصل الحصل اليوم !!) . إذن الحكومة في دفاعها المستميت عن أخطاءها القاتلة ، تلوم " البناء بالطين " ولا شيء غيره في الخسائر التي سببتها السيول والأمطار والفيضانات .. وهكذا وبكل سهولة تحول المواطن الضعيف الفقير العاجز الذي اختفت منزله نهائيا إلى عقبة أمام الحكومة الموقرة للقيام بمهامها ، هكذا تزعم الحكومة !. الحقيقة هي أن " الجالوص " أو البناء الطيني يستطيع أن يصمد عشرات السنوات أمام سيل من الأمطار والفيضانات ، إذا تم بناءه في مكان فيه شبكات للصرف المائي ، لأن هذا الجالوص المفترى عليه يتم بناءه وفق معايير هندسية بلدية معينة ... والحكومة إذ تلوم المواطنين في الخسائر التي لحقت بممتلكاتها وبممتلكاتهم ، تناست أن كل مبانيها في مناطق شرق النيل ومناطقا عديدة في ولاية الخرطوم وأم درمان وغيرها ، قد تلاشت عن الأنظار تماما ، بما فيها مراكز الشرطة ومحاكم العدالة الباطلة ومباني الدفاع الشعبي وغيرها . القضية إذن ، أيها السادة والسيدات ، ليست في البناء " بالطين " أو بالإسمنت وغيرها ، إنما القضية قضية عدم وجود شبكات مياه مركزية لتصريف مياه الأمطار والسيول ، وغيرها من المخلفات السائلة .. فالبلاعات التي تنشئها الحكومة في الأحياء التي تسمى بالدرجة الأولى ليست حلاً للمشكلة ، نسبةً لآثارها الصحية الخطيرة على البيئة ، ولصغر سعتها ايضا . فمخلفات من خمسة بيوت مثلا تستطيع مليء بلاعة من هذه البلاعات في اليوم الواحد ، فكيف يكون الحال إذا هطلت الأمطار بغزارة ، وتحولت القرى والمدن إلى بحيرات مائية !؟. لتتوقف الحكومة عن أكاذيبها وتضليل الناس بكلام مخمر ومقرف ، ولتتحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها وأقلها انشاء شبكات الصرف المائي في كل مدن السودان ، لأن بناء المنازل والبيوت بناءاً حديثا لا يمنع سقوطها وانهيارها طالما لا وجود لشبكات الصرف المائي ! . إننا فعلا نعيش في زمن الخراء وعدم الخجل ... الزمن الذي تحول فيه الظالم إلى ضحية والضحية إلى ظالم آثم ...وطلب النظام السوداني من مواطنيها في ولاية الخرطوم بالإمتناع عن البناء بالطين ، حقا يعكس هذا الزمن الرديء جدا . السودان تصل فيه نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى 86% ، وتبلغ نسبة المصابين بسوء التغذية 16% ، وهي نسبة آهلته أن تعلنه منظمة الأممالمتحدة منطقة (طوارئ) ، حيث لا يستطيع مواطنيه بناء منازلهم " بالقش" ، فكيف للحكومة أن تطالبهم ببناءه بالإسمنت الذي وصل سعر الكيس الواحد ( 50 جنيهاً سودانياً) ؟ . لتنشيء الحكومة السودانية شبكات صرف المياه في المدن السودانية ، إبتداءاً من اليوم وليس غد بالمعايير والمواصفات الدولية ، ولتترك فقراء السودان يبنون منازلهم وبيوتهم بالمواد التي يقدرون على شراءها . والسلام.. عبدالغني بريش فيوف [email protected]