إن الحالة المأزومة التي تعيشها بلادنا والتي بالطبع تؤثر علي الأسرة بصورة سلبية مخيفة ومؤسفة تؤدى الي تفككها وضياعها تجعلنا أكثر حرصا ويقظة في المحافظة عليها والعمل علي صيانتها ومعالجة قضاياها بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالفتاوى المتشددة التي تصب مزيدا من الوقود علي الحريق الملتهب الذي بدأ يدب في عضدد المجتمع. اليوم خرجت علينا هيئة علماء السودان بفتوى بجواز طلب الزوجة للطلاق بسبب التدخين بإفراط داخل المنزل ومنعه من أخذ الأطفال إذ ما تم الطلاق. أري أن هذه الفتوى تتصادم مع واقع حالنا في زمن إنتشر فيه التدخين بصورة لا تخفى علي ذي بصر . ثم إن الطلاق في شرعنا مرتان إمساك بمعروف أوتسريح بإحسان فما حكم هذا الطلاق الذي أفتت فيه الهيئة ؟ هل طلقة أولي أم ثانية أم أخيرة ؟ هل هو طلاق رجعي وله عٍدته ؟ أم طلاق باين أبدي؟ حكمة أن الإسلام ترك العصمة بيد الرجل أصالة إلا أن يتنازل هو عن ذلك في عقد الزواج لأن الرجل بطبيعة تكوينه أكثر رزانة وتوازن من المراة وأكثر روية في إتخاذ القرارات المصيرية التي تتعلق بمستقبل الأسرة في حالة حدوث الفراق وحجم الضرر الذي سيلحق بالاطراف وهم كثر الأبناء والأرحام والأصهار لذلك الناس ترى أن أبغض الحلال عن عند الله هو الطلاق فلا عجلة في هذا الامر ولا يمكن أن نسمح بحدوثه لأسباب تافهة مختلف عليها مثل التدخين. والذين أفتوا بهذه الفتوى التي تفتح بابا واسعا للتفكك الاسري في زمن إرتفعت فيه معدلات الطلاق وعزوف الشباب عن الزواج علي ماذا إستندوا ؟ فأمر حرمة التدخين مختلف فيه وقد إختلف أسلافنا الحنابلة مع الشافيعة في الحكم بكفر تارك الصلاة تكاسلاً فهل يعقل أن نمكن من يدخن زوجها من الطلاق؟ ثم إن الهيئة لم تحدد لنا أي نوع من التدخين تعني ؟ فالتدخين المعلوم لدينا هو شرب السجائر وليس تعاطي المخدرات فإن كانت تعني بذلك المخدرات نتفق معها يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: وقد سئل ما حكم طلب المرأة للطلاق من زوجها الذي يستعمل المخدرات؟ وما حكم بقائها معه؟ علماً بأنه لا يوجد أحد يعولها وأولادها سواه.. يقول( طلب المرأة من زوجها المدمن على المخدرات الطلاق جائز، لأن حال زوجها غير مرضية، وفي هذه الحال إذا طلبت منه الطلاق فإن الأولاد يتبعونها إذا كانوا دون سبع سنين، ويلزم الوالد بالإنفاق عليهم وإذا أمكن بقاؤها معه لتصلح من حاله بالنصيحة فهذا خير). الخلاصة من هذه الفتوى لأن المخدرات تذهب العقل وذهاب العقل يجعل من الزوج عاجزا عن القيام بواجباته في صيانة الاسرة والمحافظة عليها بالإنفاق والتوجيه والإرشاد فيستحب للزوجة طلب الطلاق منه لكن الأفضل الصبر ومحاولة إصلاحه بالنصيحة وفي هذه الفتوى سماحة وعدالة مطلوبة أما في فتواهم فتزمت وغرور وإستعلاء علينا وإنفصام علي الواقع لأن السجائر لا يذهب العقل وهو ما يهمنا في أخذ الحقوق من الغير أي بمعني أن الرجل المدخن يمكنه القيام بواجباته كاملة عكس المدمن فلا يمكننا أن نسوى بينهما في الفتوى وإن كان التدخين يتسبب في بعض الأمراض الخبيثة حسب ما أثبته العلم . أما إن كانت الهيئة تستكبر خطرالتدخين فعليها حث الدولة لمنعه بالقانون ومحاسبة المدخن لا محاسبة أسرته لأن الطلاق إن وقع يتعدى ضرره الزوج والزوجة ليصل إلي الأبناء والأقارب ويتسبب في كثير من المشاكل المستقبلية التي تجعلنا نلجأ للقاعدة الفقهية بأن أخف الضررين هو إستقرار الأسرة في ظل ربها المدخن لا التفريق بينهما. ونضيف ان العلماء إختلفوا حتي في التفريق بين الزوجين (اللذان كانا كافرين وأسلم أحدهما). [email protected]