تتواصل استعدادات النظام لاجراء الانتخابات العامة في مطلع أبريل المقبل، لكن النظام يجد فسحة من الوقت للتعامل مع المبادرات المطروحة على الساحة من باريس إلى أديس أبابا مشيعا لدى المواطنين أنه جاد في التعاطي معها.. وتنطوي تأكيدات المؤتمر الوطني على أنه ماض في تنفيذ الانتخابات على تهديد لأصحاب جهود التسوية أن مبادراتهم لن تكون ذات جدوى إن لم تتفق مع تصوراته التي تضمن بقائه في الحكم.. ولسان حاله يقول: نعم للحوار بشروطنا وإلا فإن انتخاباتنا قيد الانطلاق.. وستكون كل التحركات الحالية بما في ذلك ارسال أعضاء لجنة السبعة إلى أديس للتفاوض مع الجبهة الثورية مجرد كسب للوقت لحين الوصول إلى موعد الانتخابات في ابريل.. وعندها لا يرعوى النظام عن التشدق بشرعية جديدة اكتسبها من خلال الانتخابات، ومن ثم تدور الاسطوانة التي نسمعها طوال ربع قرن من الزمان، خاصة وأن أهل النظام يداعبون احلام الشعب بأيام وردية، فقد قال أحدهم مؤخرا أن الانتاج من الذهب سيصل بنهاية العام الجاري إلى سبعة أطنان، فيما يتحدث آخرون عن زيادة في انتاج النفط، وعن خطط لاحياء مشروع الجزيرة، ويعترفون في غضون ذلك بأخطاء حدثت في الماضي ( لكنهم سيتجازونها مستقبلا)، كما أنهم سيدفعون بدماء جديدة ستدير العمل في المرحلة المقبلة تعززها أفكار مبتكرة، ونحن نعرف أن القادمين الجدد تتلمذوا على أيدى ذات أفراد الإدارة الحكومية التي برعت في دفع البلاد إلى مهاو سحيقة من الفشل والاذلال.. كما نعرف خطل السياسات التي أدارت التعامل مع ثروة النفط، وكيف ضاعت عائداته بسبب انعدام الرؤية الاستراتيجية والتخبط والفساد الذي أحال تلك الأموال إلى ثروات خاصة.. وهكذا لن يفيد انتاج المزيد من الذهب مع هذا التخبط المريع والمستمر في ادارة الموارد الاقتصادية.. النقاط الجوهرية في اتفاق أديس أبابا تتحدث عن الحل الشامل للقضايا، وهذه تصطدم بأقوى ثوابت النظام التي تتوخى الوصول إلى تسويات مجتزأة للأزمات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.. ونحن الآن أمام خطوط عامة بشأن التسوية لكن يبقى الشيطان في التفاصيل، كما جاء في مقال لعميد الصحفيين الأستاذ محجوب محمد صالح عن اتفاق اديس (إن كان البعض يعتقد أن القرار الصادر بإطلاق سراح نائبة رئيس حزب الأمة الدكتورة مريم الصادق ربما كان مؤشراً على قدر من الاستجابة الحكومية الجزئية، وإذا تجاوبت الحكومة تجاوبا كاملا مع ما ورد في اتفاق أديس أبابا الذي رفع إليها تبقى العقبة الأخرى وهي مدى إمكانية التوافق على باقي المستحقات التي تطالب بها المعارضة وهي تشمل الفترة الانتقالية والحكومة القومية والانتخابات، وغيرها من القضايا المثارة.) ولعل أول ملامح هذا الرفض لطرح المعارضة ما جاء على لسان حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية الذي قال إن الذين يدعون إلى الحكومة الانتقالية إنما يسعون إلى وضع استثنائي، وألحق بتصريحاته اتهامات من نوع الاستعانة بالآجنبي وأصحاب الاجندات الخارجية ولا تخفى مقاصده بهذا الصدد. ولنا انتظار ما سيفصح عنه اجتماع الجمعية العمومية للحوار في بحر الأسبوع الجاري لمعرفة الموقف من المطروح على ساحة التسوية السلمية.. من الواضح أن المؤتمر الوطني ووفقا لسجله الأسود في ادارة البلاد وملفاته التي تضعه أمام العدالة مباشرة لن يرضى بأن يسلم رقبته طواعية لأي نظام جديد، وهو لذلك سيقف صخرة صماء امام أي محاولات لتشكيل وضع انتقالي يضطلع باجراء انتخابات نزيهة، فالحل أمامه طريق واحد يؤدي إلى هيمنته على أي عملية انتخابية تتيح له العودة مرة أخرى للحكم.. ولهذا فإن التشاؤم تجاه المبادرات الجديدة له ما يبرره نظرا للخبرة المستقاة في التعامل هذا الحكم، وهي خبرة تنطوي على فشل ذريع بسبب تكالب المؤتمر المؤتمر الوطني على السلطة، فهو خارج هذه السلطة لا يسوى شيئا، فهو يتغذى بأموال الشعب ويقيم مختلف نشاطاته بذات الأموال، وباستخدام اجهزته السلطوية يصل إلى كل اهدافه في قمع الآخرين والحؤول دون وصولهم إلى القصر.. وتتبلور في الساحة منذ إعلان باريس وحتى اتفاق اديس أبابا ملامح رئيسية للعمل الجماعي لقوى المعارضة، حيث تم بشكل جلي تحديد المشتركات ونقاط الاجماع بينها، وهي بهذا الشكل قادرة على فرض رؤيتها والترويج لها، وعلى الرغم من تصريحات الوسيط امبيكي بأن النظام قد قبل بما جرى في اديس أبابا، إلا أن اشارتنا لمسألة شيطان التفاصيل تفيد بأننا قد نسمع قريبا نكوص النظام عن ذلك القبول، ومن ثم تبقى الكرة في معلب المعارضة لتنشيط العمل المشترك المدعوم بمرجعية باريس واديس ابابا وهبة سبتمبر المجيدة وبخيارات نابعة من تلك المرجعيات.. [email protected]