تردت الأحوال لدرجة مخيفة ، وأصبح حال البلد واقف ، والحكومة قررت ونفذت من قبل برنامجها للإصلاح كما تقول وذلك برفع الدعم والذي صاحبته أحداث وفوران راح ضحيتها بعض من شبابنا الغض نحتسبهم شهداء ونسأل الله لهم الرحمة والمغفرة ، ولكن هل يجدي الرتق؟ أو الترقيع؟ ونستعير هنا عبارة الراحل حمِّيد التي غناها المرحوم الخالد مصطفى (عم عبدالرحبم)عندما كان يخاطب زوجته الحنون وهي تسعى لستر الحال وتطالب فقط برقع النعال ورتق الثوب ؛ فيقول لها : طَقَهِنْ آ بفيد (أي أنه لا يفيد) ، فلم يعد هناك مكانا فيه للترقيع والطق و الإصلاح ... ويسترسل قائلا : انطق الزمن!! فقد تسربت النفوس من أجسادها والتي هي نحُلت وذبلت وفارقتها حيويتها المعهودة ، وخرجت إبتسامة البهجة ولم تعُد ! ودعونا نتساءل وبتجرد شديد : هل أودت تلكم الإصلاحات لأنفراج الحال أو حتى بوادر انفراج أو تحسن؟ ما أتعس هذا الجيل! فقد سُلبت منه البهجة وغابت عنه الفرحة الصادقة ، وسيطر عليه زيف المشاعر ؛ فهاهو نراه يلهث وهو يجري يمنة ويسارا في سبيل توفير لقمة عيش يسد بها رمقه ، ويتطلع لتحقيق انجاز يجعله يشعر بأن أنفاسه لم تُخمد بعد ! فهل من سبيل ... تنتظم البلاد حركة هجرة غير عادية للعقول والكفاءات ذات الخبرة المُعتبرة لخارج البلاد ، والدافع لذلك بلا شك هي الظروف المحيطة ببلادنا الحبيبة من شظف عيش وعدم تقدير ومضايقات في جوانب متعددة ! ولكن هل يجدي الهروب وهل تتعافى البلاد بذهاب هؤلاء كما يتراءى للبعض؟ إذا نظرنا لها من الجانب الإقتصادي فقد تكون استفادة شخصية للمهاجر حيث أنه أوجد حلا لمشكلته الشخصية وأيضا قد يساهم في دعم أسرته الممتدة والمقيمة بالبلاد وبالتالي يساعد في دوران عجلة الحياة الداخلية ، ولكن المبالغ التي يتم تحويلها بالتأكيد تكون خارج النطاق المصرفي الرسمي لأسباب لا تُخفى على أحد ، وهذا قد يؤدي لارتفاع أسعار العملة الصعبة داخليا ويفاقم تدهور العملة المحلية.. ملخص القول فإن تلك الشريحة التي نجحت في الخروج والتعاقد خارجيا أو الهجرة لبلاد بعيدة .. ساهمت بطريقة أو بأخرى في دعم بقاء الوضع الحالي وذلك بحكم مساعدتها للأسر الموجودة بالداخل لأن مستوى الدخل داخل البلاد لا يمكن أن يكفُلَ معيشة لأي فرد ناهيك عن الأسر والجماعات ، ولكنها في نفس الوقت جعلت الفئة العمرية المنتجة في حالة انتظار وترقب وكأنهم بصالة ترانزيت بإحدى المطارات ليستغلوا طائرتهم ومواصلة رحلتهم واللحاق برفقائهم الذين نجحوا في الخروج ؛ فالكل يحلم ويطمح ويعمل للمغادرة ، فكان أن اختفى التركيز لدى الذين ينتظرون ولم تعد هنالك رغبة في العمل أو الإنتاج خاصة وأن العائد من العمل لا يسد رمقا ولا يستر حالا ؛ فهجر الشباب الحواشات وفارقوا المزارع ، بل نزح معظمهم من القرى والمدن الصغيرة للعاصمة التي ترهلت وتمددت بصورة مخيفة. ولنا أن نتساءل هل يشارك هؤلاء النازحين نحو العاصمة في أي عملية انتاجية؟ بالتأكيد لا ، وهنا تكمن المشكلة الأساسية ، فكل هؤلاء مستهلكين وليسوا منتجين وأقصى ما يمكن أن يفعلوه هو عملية بيع بعض السلع الهامشية وعرضها على أصحاب العربات عند إشارات المرور أو نحو ذلك. وهذا موضوع سنتطرق إليه لاحقا بالتفصيل . ولكن لن ينصلح الحال دون العودة لتعمير المشاريع التي دٌمرٍّت وتوقفت عجلة الإنتاج في كل المناحي وسودانير لم تعد تهبط في المطارات وأصبحت جزءا من التاريخ المعاصر .... آه لو حافظنا فقط على ما كنا تملك؟؟؟ للأسف العودة أصبحت مستحيلة .. فقد دٌمرت النفوس وضاعت الذمم وعندها لن يجدي إلا إعصار يقتلع كل ما هو أمامه .... [email protected]