رفع الشيخ دينق يده طالبا الفرصة بعد انتهاء السلطان والشيخ بول من الكلمة الافتتاحية لهذا الاجتماع المهم للغاية لمناقشة امر تقرير مصير اهالي القرية ما بين الموت المحقق بالجوع او اسلاك طريق اخر لانقاذ ارواح ما يناهز الاربعة الف نسمة من سكان القرية . نعم الفرصة لك يا دينقديت هكذا قال الشيخ بول . اهه اهه هه .... هكذا ابتدر الشيخ دينق المشهود بين نظرائه من المشايخ بالحكمة والرزانة واتزان الفكر . ثم حي الحضور تحية جليلة بداء من الشيخ الكبير الذي دعى الى هذا الاجتماع المفصلي والشيوخ قاطبة الذين استجابوا الى هذا النداء للتشاور حول ما يحيق بهم من مصائب ودوامك طالبا من العلي القدير ثم ارواح الاسلاف ان يباركوا هذا الاجتماع ثم يعطوا الحضور نيرة الفكرة وسليم الحكمة لياتوا بما هو خير امتهم وقبائلهم ويحفظ جميل السمعة لهم وللاجيال والعيال من بعد .ثم اضاف قائلا في حقيقة الامر نحن امام امر جليل ومصائب جمة ليس بقليل ومن كل جانب لنا يوجد عدو وليس خليل بداء من القحط الذي احاط بنا في كل حلة من احلالنا وانهمار الغيث دون توقف من دون تعليل ومهاجمة جيراننا العرب لنا يمتطون الجمال والخيل قاتلون الشيوخ والاطفال وحتى العجوز الكليل . لذلك اقترح ان يهاجر شعبنا بحثا عن كريم العيش ولقمة العيش الحلال الى اية جهة كانت حتى ولو دعى الضرورة الى الهجرة الى عقر دار العدو الذي تفنن وابرع في فنون تعذيبنا وقتلنا وسلب ابقارنا وحرق ما يقع عليها عيونهم من العيش حتى لا نجد ما ناكله عندما نعود من الجري في حالة عادوا الى دارهم , وهو يقصد هنا العرب . وفعلا فلحوا في خطتهم هذه وغدونا في الوقت الحاضر لا نملك ما نسد به رمقنا من الجوع , والسبب الذي جعلهم ينفذوا مخططهم هذا بسهولة ونجحوا فيها نجاحا كبيرا ليس لاننا ضعفاء او خوافين, ولكن السبب هو انهم يجدون المساعدة المالية والمعنوية من الحكومة في شكل سلاح واليات الحرب . واعتقد جازما بانكم على علم ودراية بهذا الكلام اكثر من اي شخص اخر , وبالتالي اقتراحي لكم هو ان يهاجر جزء من شعبنا الى الضعين , ابوجابرة المدينة , ابو مطارق , ابوكارينكا , ام راكوبة وبابنوسة وغيرها من بلاد جيرننا الرزيقات او المسيرية والمعاليا. شريطة ان لا تذهب كل المواطنيين الى هناك , حتى لا تكتب لنا الفناء هناك في حالة حدثت لنا مكروه ما في وسطهم , لا يعرف احد ذلك , وبالتالي لا مهرب ان نوجه البعض الاخر من شعبنا ليتجهوا الى اقطار مثل . كينيا , اثيوبيا ويوغندا ليكونوا لاجئيين في تلك الدول . من ثم انهى الشيخ دينقديت كلامه قائلا لابد من البحث عن مكان للعيش ولو في الصين رغم بعدها عن السودان طوال المسافات , او في دار الكاشح عسى ولعل يفتح لنا الله باب الفرج هناك . صفق الحضور تصفيقا حارا على الشيخ دينقديت بعد جلوسه الا شيخ واحد فقط لم يعجبه مقترحه هذا بالاستجار من الجوع من نفس الخصم الذي تسبب في هذا الغرث .حيث بدا ممتعضا جدا من خطاب السيد دينقديت ورفع يده بالحاح طلبا للسانحة حتى يتقيا بما يحمله جوفه من كلام حار وحام كحمم البراكين في دول اسيا . ولما تردد الشيخ الكبير بول من اعطاءئه الفرصة قام واخذ الفرصة لوحده دون ان يعطى الاذن للحديث . يا دينقديت نحن لما لبينا الدعوة الكريمة من شيخنا الكبير وجئنا الى هذا الاجتماع كان من اجل ان نتحدث عاقل الكلام وليس واهن الحديث كما ادليت به الان , هكذا ابتدر الشيخ كواج حديثه وعلامات الغضب بائنة في نظراته وعيونه يتطاير شررا من الحنق والغيظ من الحديث الذي ادلى به سلفه المتحدث . وسال الحضور قائلا هل يعقل ان ياتيك الشخص الى عقر دارك ويقتل اطفالك ويسبي نساءك ويغنم بهائمك ويحرق اي محصول يقع عينه عليه بغرض تجويع الباقين من افراد الاسرة ومن ثم تطلب اللجؤ الى داره طلبا للامن والامان الذي تسبب هو فيه , وكذلك الماكل والمشرب ؟. فرد الحضور قضا وقضيضا قائلين كلا يا السيد الشيخ كواج لم يحدث ذلك في تاريخنا العهيد والقريب , ولا حتى في تاريخ البشرية على وجه العموم . فاستطرد قائلا لذلك لست موافقا الحديث الذي ادلى به الشيخ دينقديت على الاطلاق , وعليه اقترح ان ياخذ شعبنا الجاسر الملاذ والامن الروحي قبل الغذائي من اشقاءنا الافارقة من الامصار التي تجاورنا مثل كينيا , يوغندا , اثيوبيا او حتى الكنغو الديمقراطية .علما بان سكان هذه الاقطار هم زنوج مثلما ننحدر نحن من اروم زنجية, يدين الغالبية العظمى منهم ان لم يكن جلهم بالديانة المسيحية التي لا تتعارض كثيرا مع معتقداتنا المحلية , ولا يزعجهم ان يرونا متمسكين بمعتقداتنا المحلية , علاوة على ذلك يوجد وسط جيل جديد من ابناءنا الشباب من يدينون بالديانة المسيحية التي دخلت حديثا الى قريتنا . اما الاخوة من الجزء الشمالي من السودان فان غاية ما يسعون اليه هو ان يرونا مسلمين ونتخلى تماما عن معتقداتنا التي ورثناها من الاسلاف دون خلاف , وفي نهاية الشوط نتحول الى عرب غصبا عننا . بدا الحضور متفهما حديث هذا السلطان جيدا لانه صاحب خبرة كبيرة , لطويل الزمن الذي قضاه وسط عرب الرزيقات في مدينة الضعين كعامل في الزرع فيما يعرف محليا بالشراكة او النص . حيث يقوم العربي من جانبه بتجهيز الاراضي للزراعة ثم التيراب الذي سيقوم العامل الجنوبي بزراعته مثل تيراب الفول السوداني والدخن والماريق , وعدد متفق عليه من ( ملاوي ) للمخمس الواحد اما للفول او العيش ذائدا مبالغ محدد في المخمس الواحد كمصاريف للملاح والسكر وطحن الدقيق الى ما شاكل ذلك من متطلبات اخرى للمزارع . وعندما يهطل المطر يقوم هذا العامل الجنوبي بعملية الزرع والحش والحصاد وحالما صاروا جاهزين في زمن الشتاء في شهر يناير في اغلب الاوقات يقومون بتقسيم عدد الشوالات (الجوالات ) للفول او العيش بالتساوي . وبعد ذلك يقوم صاحب الزرع العربي بخصم عدد شوالات الجرورة ان كان للعامل اي جرورة في زمن الخريف , في حالة انتهاء عدد القروش والملاوي المخصصة للمخمسات التي حشها المزارع . وبالتالي تمكن هذا السلطان من كسب خبرة كبيرة جدا اثناء احتكاكه مع عرب الرزيقات في الاحلال التي اقام فيها اثناء تواجده في هذه القرى والمناطق المسكونة بالعرب حتى انه لقب محليا في الجنوب بالكديم , ولفظ فلان ( قديم ) هذا يؤشر على طول مدة الشخص وسط العرب في الشمال او قل مناطق القوز غائبا عن مسقط راسه ونواصل مع خالص تقديراتي [email protected]