حينما تفجرت قضية التقاوى الفاسدة وكان عبد الحليم المتعافي وزيراً للزراعة، طلب منه البرلمان المثول للإجابة عن استفسارات النواب بشأن القضية، المتعافي تخلف عن الحضور بحجة أن خطاب البرلمان لم يصله، بينما كان يصر النواب أن الخطاب وصل حتى مكتب سكرتارية الوزير، تهرب المتعافي عن جلسات البرلمان بينما أصر النواب على ضرورة حضوره بل امتنعوا عن عرض التقرير إلا بحضوره، المهم نهاية المعركة كان المتعافي مصراً على أن ما يقوم به البرلمان محاكمة سياسية لا تقبل أي مسمى آخر. حينما دخل الجيش الشعبي دولة جنوب السودان منطقة هجليج، همّ بعض النواب باستدعاء وزير الدفاع- وقتها- عبد الرحيم محمد حسين، الوزير دون أي صرف زائد في الحديث رفض المثول بشكل قاطع، اضطرت لجنة مصغرة لزيارة الوزير واستفساره عمّا جرى في هجليج، هذا إن حدث فعلاً استفسار. أمس انتفض نائب برلماني مستقل ضد ما سماه سُنة جديدة استنها البرلمان بزيارة لجانه الدائمة للوزراء في عقر وزاراتهم والاستماع إليهم، ذلك على خلفية زيارة لجنة الأمن إلى وزير الداخلية، للاستماع إلى تقرير حول الأوضاع الأمنية في البلاد، النائب المستقل لو أعاد الذاكرة إلى الوراء قليلاً قطعاً لن ينتفض انتفاضته هذه، بل إن هذا النائب استغرب عدم مثول الوزراء أمام البرلمان بينما الرئيس نفسه يمثل أمام البرلمان، ويقدم بياناً عن أداء الدولة، لكنه لم يسأل نفسه، هل في مقدرة البرلمان أن يستفسر الرئيس عن أية مسألة؟. يقيني أن أي وزير يرفض المثول أمام البرلمان ليس لأنه يُهين البرلمان عمداً، بل العكس تماماً، هو لا يستشعر أي ضرورة من مثوله أمام برلمان كل نوابه من حزب الوزير ذاته، وحق للمتعافي أن يعدّ مساءلات البرلمان له إبان قضية التقاوى هي ليست إلا مكائد سياسية- بصراحة- لو كنت في مكان أي وزير في هذا الوضع لن أجد أي مبرر للمثول أمام البرلمان ليس امتهاناً إنما عملاً بالقاعدة "الحالة واحدة"، تحول دور البرلمان من مؤسسة مستقلة لها هيبتها إلى مؤسسة تعمل تحت الطلب، وتذهب إلى أي وزير في مكتبه لتجد إجابة عن استفساراتها، هذا التحول في دور البرلمان تحول أكثر من طبيعي ليس لعيب في الوزراء أو السُلطة التنفيذية وليس لعيب في نواب البرلمان، إنما في تركيبة البرلمان نفسها.. سوف يجد نواب البرلمان أنفسهم كل مرة أمام وزارة لتقديم خدمة التوصيل، وعلى لجان البرلمان أن تتهيأ أن يأتيها يوماً قريباً ويرفض الوزير استقبال لجان البرلمان في مكتبه، مكتبه وهو حرّ فيه. = التيار [email protected]