كنت أتابع المسرحيات المصرية القديمة المسجلة باللونين الأبيض والأسود ، ولاحظت أنها كانت ساذجة جدا ومع ذلك كان الناس يضحكون ، القفزة جاءت مع جيل السبعينات مع عادل امام وسعيد صالح ويونس شلبي وسمير غانم لا سيما مسرحيات مثل شاهد مشفش حاجة ومدرسة المشاغبين والعيال كبرت.. لقد نقلت هذه المسرحيات الذوق العام الى ذوق أكثر تعقيدا ، وفي السودان بدأ النشاط المسرحي في التطور على يد مدرسة الاصدقاء المسرحية والهيلاهوب والفاضل سعيد ولكن حدث انهيار مفاجئ للمسرح السوداني .. بشكل عام تعقد الذوق الضحكي جدا وبات لا يهنأ بالطرفة الساذجة بل يحتاج الى طرفة أكثر تعقيدا لكي يضحك. ومع تسارع هذا العصر أصبح هناك تململ من المسرح واتجاه الى النكات السريعة التي ترسم البسمة على الوجوه بسرعة وتنطفئ أيضا بسرعة . لم يعد هناك من وقت للبقاء أمام مسرحية لثلاث ساعات متواصلة . ولم يعد المزاج العام قادرا على التواصل الاضحاكي مع النكات الساذجة أو القديمة . في الواقع نحن في حوجة الى العودة الى النموذج الأول.. النموذج الذي يضحك بسهولة مع القفشات والنكات ﻷن الضحك هو العلاج الوحيد ﻷزماتنا الانطولوجية والسياسية والاجتماعية والثقافية ، هو علاج ينبغي أن نبحث عنه ونعززه بقوة. وقد قلت سابقا بأنه يجب علينا أن نكون مستعدين للضحك ، فالاستعداد للضحك هو تفريش لأرضية التفاعل مع الطرفة والنكتة نمهد به حالة تلقينا لها ، ثم أن نكون بالتالي منفتحين على المركب اللطيف للطرفة بدون حاجة الى التعقيد أي أن نرتد إلى طفولتنا من جديد حيث نفرمت ونمحو تعقيدات الذاكرة البالغة والراشدة وفي هذا تنظيف للقلب أيضا من رواسب الكبر ومعاناته مع الوقائع الحياتية اليومية . فلتكن النكتة ساذجة ولكنها على سذاجتها ترسم صورا معينة داخل مخيلتنا يمكننا الاستفادة منها في الوصول الى حالة الضحك ويمكن ألا تكون النكتة جديدة ولكن علينا أن نسترجع دهشتها الأولى لكي ندخل في حالة الضحك . أي أن ننقي عقولنا وقلوبنا من الرغبة الدائمة في أن نتملك الأشياء وأن نتملك الدهشة الجديدة والرغبة البائسة في تعقيد حياتنا. إذا فالضحك في حد ذاته تمرد على الواقع وثورة على الكبر والرشد ؛ إننا نتمرد بالنكتة والطرفة على خط الحياة الصلب وعلى توقعاتنا المادية لنؤكد أن الإنسان كائن معنوي في المقام الأول. مولي ❤???????????? [email protected]