يحكي أن الروائي الكبير نجيب محفوظ قد تلقي خبر فوزه بجائزة نوبل العالمية أثناء تناوله فنجان قهوته الصباحية في أحد المقاهي الشعبية بالقاهرة، لو كان الأخ معتمد محلية الخرطوم يعلم عن هذه الحقيقة لما أصدر قراراً بإغلاق أبواب رزق حلال في وجه المئات من بائعات الشاي، لو كان الأخ المعتمد يعلم أن هناك من بين بائعات الشاي من هجرها زوجها دون أن يعرف لأطفاله اسما، وأن هناك من ظلت تطعم من دموعها صغاراً يتوجعون، وأيضا هناك من تحاول أن تستر عفتها من ذئاب المساء، لما أصدر هذا القرار الذي ربما دفع بالعشرات من بائعات الشاي إلى ضياع مؤكد. جلس أمام السكرتيرة ذات الوجه الدائري يسألها بأن تسمح له بمقابلة معالي السيد الوزير، فأخذت تنظر إليه طويلاً ثم أجابته بإبتسامة فيها الكثير من التكلف: (يا شيخنا الوزير في اجتماع) ثم واصلت : وأعتقد أنه اجتماع سيطول ربما ساعة أو ساعتين، فظل في مكانه ينظر إليها دون رد، وفجأة خرج السيد الوزير فما أن رآه هرع إليه يقبِّل رأسه وهو يقول بحنان: (مرحبا أبي) ثم أخذه من يده إلى خارج المكان. كان الشاعر عمر الطيب الدوش لا يميل كثيرا للأضواء، كان بينه وبين عيون الكاميرات شيء من جفوة غامضة غير معلنة، وكثيراً ما أصريت عليه أن يلبي استضافة من تلفزيون أو دعوة من إذاعة إلا أنه كان يرفض، وقد إتفق كثير من زملائه أن هذا المبدع ما دخل عليه أحد إلا ووجده ممسكا بقلمه يكتب، أو بكتاب يقرأ، كان غرامه التوغل في القصيدة العربية عالية الأبعاد، حتى القصيدة الإنجليزية كان يقرأها عمر بنفس البساطة التي تبتسم بها زهرة وقد أجمع كل شعراء الأغنية الرمزية بأنه تسلم مفاتيح أبوابها، إلا أن هذه المفاتيح ضاعت يوم رحيله وما زال البحث عنها جارياً. بعد وفاة الفنان خوجلي عثمان قام العازف الكبير دفع السيد صباح الخير بالتوقف تماماً عن العزف على (الكمنجة) كما أنه لم يفكِّر في العزف خلف فنان بعد خوجلي، بل رفض العديد من محاولات زملائه العازفين بإثنائه عن هذا الموقف إلا أنه ظل متمسكاً به، أذكر أنني إلتقيت به يوما يتمشي على شارع في مدينة أم درمان فسألته عن خبر إعتزاله ل (الكمنجة) ؟ فقال لي: إنه كلما تأمل أوتارها وقد نسجت عليها خيوط العنكبوت بكى في صمت على أيام كانت لهما معاً وهما يعزفان لخوجلي (ما بنختلف). تعرفت على عدد كبير من عمالقة الإبداع في بلادي، وأعتقد أن هذه حالة تكرمت بها الأقدار لا تقدر بثمن، تعرفت على العملاق عبد الكريم الكابلي على مدى أربعين عاماً جمع فيها بين الفراشة والجدول، وعلى عبد الرحمن الريح فرأيت فيه جمالاً لا يوجد في كل تاريخ الجمال، وعلى محمد يوسف موسى صاحب الإبتسامة الغامضة التي تحمل كثيراً من الدموع وقليلا من الشموع.. وكلهم يحترقون إبداعاً، ذكرت لكم هذه الأسماء الآن ولكن هناك أيضاً من الأسماء التي تضاء بها المصابيح سأتعرض لها في وقت آخر. هدية البستان بتتغيَر وقول ما إنت نحنا كمان بنتغيَر وزي ما عيونك الحلوات بتتحيَر نحنا كمان بنتحيَر اخر لحظة