الأطفال لهم خيال رائع ولغة مباشرة تثير الدهشة. ألا تشعر أننا في كثير من الأحيان نكون خارج شبكة تفكيرهم؟ إحدى المدرسات في مدرسة أمريكية أرادت أن تختبر ما يدور بأذهان الأطفال الذين تتعامل معهم في الأعمار من أربع إلى ست سنوات فطلبت منهم أن يكتب كل واحد خطاباً لله. وكانت النتيجة غاية في الطرافة والغرابة.. ولكن ماذا نقول؟ هذا ما كان يدور في رؤوسهم الصغيرة. ساندي ذات الأربعة اعوام كتبت تقول: (يا ربي العزيز.. إذا كنت ستحضر للكنيسة يوم الأحد سأريك حذائي الجديد الذي اشتراه لي أبي). ترى ماذا كان يدور بذهنها في تلك اللحظة التي كتبت فيها خطابها؟ أغلب الظن أنها كانت مشغولة بذلك الحذاء وفرحتها به لا توصف. أما ليندا فقد كان يشغلها أمر آخر.. (ربي العزيز... هل قصدت أن تخلق الزرافة بهذا الشكل أم أصابها حادث؟) وقد جاء دور تيموثي الذي كتب قائلاً: ( ربي العزيز.. لقد خلقت الشمس وصنع توماس اديسون المصباح الكهربائي.. أعتقد أنه سرق فكرتك). وتقرأ في أفكار هؤلاء الصغار لتكتشف أن عالمهم من الصعب التنبؤ بمحتوياته. إلا إنه مدهش.. ولو دوّنا ما يتفوه به اطفالنا ربما استطعنا أن نتعرف على بعض من تفكيرهم. إبني مصطفى كان في الخامسة من عمره وكان يجلس أمام التلفزيون إلا إنه كان منهمكاً في رسم صورة. فكان يأخذ لوناً يشخبط به ثم يتناول لوناً آخر وهكذا.. وفي مرة من المرات كان يبحث عن شئ ويبدو أنه لم يعثر عليه.. وظل يقلب الأوراق ويبحث تحت المنضدة وعلى الكنبة ثم توقف لحظة وكأنه يسأل نفسه: يا ترى أين وضعته؟ أين وضعته؟ فسألته: – يا مصطفى .. إنت بتفتش لشنو؟ أجابني: -بفتش للأخضر الإبراهيمي.. وابتسمت ضاحكاً لأن الأخبار في تلك الأيام عندما كانت الحرب الأهلية اليمنية مشتعلة كانت تنقل أخبار السيد الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأممالمتحدة لليمن وهو في رحلاته المكوكية لحل مشكلة اليمن. ولكن ما فاجأنا به حقيقة كان غير متوقع وهو في مثل تلك السن وكنا في طريقنا من الطائف إلى جدة أن سأل أخاه احمد دون مناسبة: – يا احمد إنت بعدين لما تكبر حتتزوج؟ ولكن احمد لم يأبه للسؤال المفاجئ فلم يجبه وعندها كرر مصطفى سؤاله أجابه احمد متضايقاً: – يا أخ .. مش حأتزوج. وصمت مصطفى برهة ثم قال: – إذا أنا نسل العايلة دا كلو حيتوقف علي.. واندهشنا كلنا وشعرت في تلك اللحظة بأنني قد وضعت على الرف وإن مهمتي قد انتهت. حاولوا أن تستمتعوا بدهشة بريئة وأنتم تتجاذبون أطراف الحديث مع هذا الجيل التلفزيونجي كما كان يصفهم الشاعر صلاح جاهين. الصحافة