(1) عقد المؤتمر الشعبي مؤتمراً صحفياً بخصوص القرارات الاقتصادية الاخيرة ، في وقت صمتت فيه غالب القوي السياسية عن الكلام المباح ، من حيث المبدأ هذه شجاعة تحسب للحزب ، والتزاماً بمسؤولياته تجاه قواعده الحزبية وتجاه الجماهير التي تنتظر ما يشفي غليلها في ظل حالة الغموض التي تكتنف المشهد السياسي السوداني ، وبطبيعة الحال هذا الدور التوعوي والاستناري مطلوب من الشعبي ومن سائر الاحزاب السياسية ، ولعل عبارة الاستاذ عبدالخالق محجوب في لحظاته الاخيرة تظل خالدة حين سال ماذا قدمت للشعب السوداني فقال قدمت لهم الوعي ، ولعل اميز ما في هذه المؤتمرات والتصريحات من قادة الشعبي انه فارق حالة البكم التي المت به وشوهت كثير من افكاره وتصوراته . (2) لكن للأسف الشديد ما حدث في المؤتمر الصحفي كان فيه خلط واضح وظاهر بين ما هو استرتيجي وبين ما هو مرحلي ، فقد غابت عن الحزب في مؤتمره الصحفي رؤيته الاستراتيجية التي ظل يعمل عليها طوال السنوات الثلاثة الماضيات ، ما حدث من قرارات اقتصادية يجب النظر اليها علي انها خرق في خريطة الحوار الوطني من قبل المؤتمر الوطني وهذا الخرق مكانه تربيزة الحوار الوطني وليس ميكرفونات الاعلام ، ارتكب الحزب خطا فادحاً وهو يصارع خصمه القديم او ان شئت قلت شريكه في الحوار الوطني علي مسرح ليس مهيئاً للحوار ، هذا الصراع ان استمر بين الشعبي وبين الوطني قطعاً سيسهم في نسف المشروع الاستراتيجي للمؤتمر الشعبي ، لذلك يجب علي الحزب الهداية بتجربة الانتخابات والتعديلات الدستورية التي حدثت في بدايات الحوار الوطني . (3) اسوء ما افصح عنه المؤتمر الصحفي للمتفائلين بالحوار ان التواصل بين اطراف الحوار الوطني ليس كما يجب او ان شئت الصراحة انه معدوم تماماً ، وافضل ما افصح عنه المؤتمر الصحفي للقادحين في الحوار انه لا توجد صفقات تحت التربيزة بين الشعبي والوطني ، وفي كلاهما خطورة علي مسيرة الحوار و لا يبشر بخير علي الاطلاق في وصول الحوار الي نهاياته المطلوبة ، يجب ان تعي كل الاطراف ان مسؤولية المرحلة القادمة غير معني بها المؤتمر الوطني وحده ، هي مسؤولية تضامنية يجب ان تديرها القوي السياسية كافة وعلي وجه الدقة التي شاركت في الحوار وان يكون ذلك بخريطة زمنية واضحة ، ولا يجب استدعاء الأوهام القديمة من البعض وتحديداً من المؤتمر الوطني ، ليس هناك طرف اكثر وطنية وإخلاصاً للوطن من طرف اخر ، مصلحة الوطن في هذه المرحلة تهم الجميع . (4) يمارس المؤتمر الشعبي خطا جسيماً ان هو حاول ان يسترضي اطرافاً غاضبة في الحزب بهذا الخطاب الاخير ، دغدغة مشاعر الغاضبين ومحاولة استرضائهم علي حساب الرؤية الاستراتيجية سيجعل الحزب يخسر الكثير في المرحلة القادمة ، يجب علي قيادة الحزب ان تكون اكثر مسؤولية ووعي بمطلوبات المرحلة القادمة . (5) اخطر ما ورد في المؤتمر الصحفي للشعبي هو الخلط بين الاقتصادي والسياسي فاذا اجملت الموقف تماماً وكاملاً لا تستطيع ان تميزه هل هو عصيدة ام مديدة وأين تضع كشحة الدقيق ، كان يجب علي القطاع الاقتصادي للشعبي ان يقدم رؤيته الاقتصادية بناء علي مخرجات الحوار الوطني الذي لم تجف بعد اوراقه من الحبر الذي كتب به ،وهل هذه المخرجات كانت غير كافية للخروج من الازمة الاقتصادية ، ام ان الازمة في توقيتها الزمني ، ام انها يجب ان تكون في سلة واحدة ، ويجب ان يقارن بينها وبين القرارات الاقتصادية ويوضح اين الخلط واللبس برؤية علمية اقتصادية ، لكن المؤتمر الصحفي ذهب في اتجاه اخر لعل عقلية رئيس القطاع بحكم انه كان اميناً سياسياً اسبق غلبت عليه ، مطالبة الحكومة بالتراجع عن القرارات يضع الحزب في ورطة سياسية بامتياز ولعل الخيار الواقع حتي الان ان الحكومة لن تتراجع وعليه سيكون الحزب في وضع حرج ماذا سيفعل اذا لم تستجيب الحكومة لمطالبته ، هذا موقف سياسي بامتياز ما كان علي القطاع الاقتصادي ان يعبر علي الغامه ، كان عليه ان يكتفي بطرح حلوله التخصصية الاقتصادية . (6) لا شك ان المؤتمر الشعبي بعد رحيل الشيخ الترابي فقد قدرته علي الابداع ، الشيخ الترابي كان يجمع بين شجاعة الفعل وبين ابداع الفعل ، لذلك لم يكن يعوزه معرفة المسار السليم للوصول الي غاياته واهدافه باسرع وافضل الطرق ، ولا اجد حرجاً ان اقول عبارة غادة السمان هل هم تافهون ام ان رحيلك هو الذي فعل هكذا بهم . [email protected]