جعل تلستوي القاضي ايفان اليتش يموت اسوأ ميتة بعدما جعله يترك العمل العام ويتقاعد.. ثم ازال عنه مكياج الوظيفة واصبح وجهه عاريا قبيحا دميما عبوسا لا يطاق.. ثم استدرج تلستوي بطله ايفان اليتش وجعله يتذوق طعم المعاش المر.. وفض عنه عامدا السامر والنديم والمنتفع.. ايها السادة.. رواية (وفاة ايفان اليتش) ايقظت فينا حس التساؤل عن حياة القضاة بعد تلاشي الوظيفة.. بعدما عاشوا حياة مترفعة ومترفة ومرفهة.. كلها احترام ووقار ويُطوِقُونهم اصحاب الحاجة والمنافع و المتقربون زلفى.. من المقاطع التى تبين المعناة والالم الذي يعانيه القاضي ايفان اليتش حين وصل لمرحلة الاستسلام واليأس والخنوع قال وهو يخاطب الطبيب :أنت تعرف أنك لن تستطيع أن تفعل شيئاً من أجلي، فاتركني وحدي.. بعدها جاءت رواية (ليس الكولونيل من يراسله) التى تبحرت في الواقع المر للمعاشيين من كبار قادة الجيش.. قبلها كانوا اصحاب سطوة ومجد وهم في سلك الوظيفة (كان هذا الكولونيل محارباً قديماً بالجيش.. وحين شاخ وقام بتركه أي الجيش.. ظلَّ مُلازماً لمكتب البريد ليسأل كل يوم عن وصول طرد معاشه التقاعدي من عدمه.. ومع تكرار هذا السيناريو لأكثر من خمسة عشر عاماً.. لم ينل الكولونيل معاشه.. والذي كان من الواجب صرفه في أوانه لرجلٍ يُعاني المر ولا غيره في حياته الكئيبة .) ثم مسلسل لا ينسى اسمه.. مسلسل (رحلة ابو العلاء البشري) يعالج ذات القضية.. لكن من عدة وجوه.. المسلسل غابت معظم حلقاته عن (ذاكرة السمكة).. لكنه يناقش قصة صعيدي (نزل المعاش) وجاء للقاهرة ليعيش وسط اقرباءه واهله.. حاول ان يبدأ حياة جديدة باسداء النصح لاهله ورعاية اصحابه.. الذين سرعان ما ملوا واضجروا منه بسبب اتساع وقت فراغه وتدخله الدائم والمتواصل في شئونهم الخاصة.. لكن مجريات احداث المسلسل تتغير فجاة حيث تهبط ثروة على بطل المسلسل ابوالعلاء البشري وتتغير بالتالي نظرة اقرباءه السالبة تجاهه الى نظرة معاكسة ومغايرة تماما بها كثير من الايجاببات ومن التودد طمعا في الثروة.. بعدها بسنوات.. ايقظتنا جميعا من سباتنا العميق رواية اسمها (صائد اليرقات) لاديب سوداني اسمه أمير تاج السر.. تتناول قصة رقيب أمني متقاعد اسمه عبد الله حرفش الذي فقد ساقه الطبيعية بعد حادث مرور مأساوي ومؤلم.. ومنح بدلا عنها ساقا خشبية.. قرر بعد تقاعده ان يكتب رواية.. كان مشتت الذهن عن ماذا يكتب عن زوج عمته او مدلك فريق كرة القدم ام عن حفار قبور كرمته السلطات قبل حين ..هكذا يجعل امير تاج السر القاريء يتوه وسط رغبة رجل الامن في بداية حياة جديدة .. جعلتنا رواية امير تاج السر نتساءل ماذا سيعمل رجل الامن بعد المعاش أو التقاعد؟.. هذا السؤال لم نفكر فيه قط.. تذكرت شخصية مرت بطفولتي.. يقال انه كان رجل امن وتقاعد فذاكرتي (غير دسيسة) وهي ذاكرة سمكة سعتها (واحد بت وليس بايت).. لكن مع ذلك اذكره جيدا انه حكم كرة قدم لانقا لانقا الشهير في مدينة جوبا زمان.. فحينما يذهب ليحكم اي مباراة كانت ياخذ معه مسدسا يضعه على الخاصرة.. مخافة ان يهجم عليه الجمهور ان لم تكن قراراته موفقة ولا تقف لجانب الحق والصواب.. قبل شهر او يزيد جاء في الاخبار ان حكما في القضارف اشهر مسدسه في وجه اللاعبين .. حاولت اتقصى من القوقل ان كان الحكم يمتهن وظيفة عبد الله حرفش وتقاعد ام لا.. لكني لم افلح.. يتبع [email protected]