بسم الله الرحمن الرحيم قبل ظهور النقود فى هذا العالم وكما هو معروف و معلوم ، كانت السياسة الاقتصادية المتبعة هى تجارة( المقايضة و التبادل و المبادلة )فى جميع السلع فى كل المجتمعات ومنذ عصور سحيقة وحتى فى( العصر الحجري القديم ) ومن ثم بدأ التطور لهذه الطريقة الصعبة و الشاقة تتبلور بتحديد بعض المعادن كالذهب و النحاس والماشية كمقياس و معيار لتبادل السلع و هكذا تمرحلت حركة هذه المعادن كمقياس و معيار قياسى تقاس به قيمة السلع و المنتجات فى رحلة تطورها الى ان صارت بما يعرف فى عالمنا اليوم( بالنقود و ما يتصل بها من ابعاد اقتصادية أو تجارية تصاحب الانسان فى كل مكان و زمان) .فالنقود هى فى حقيقتها مقياس للقيمة المعيارية للمنتجات و السلع و الخدمات والتى تم الاستعاضة عنها لتسهيل امور الناس عوضا عن النظام الذى كان متبعا فى العصور القديمة (المبادلة) (ويحتمل أن يكون التجار هم اول من صنع اقدم العملات ولكن سرعان ما تولت الحكومات مهمة سك العملة )(انظر تاريخ النقود للكاتب الامريكى فيكتور مورجان ترجمة نور الدين خليل (ص15)ويمضى الكاتب ويقول (اما النقود فالاغنى عن سبر اغوارها واستيضاح غوامضها وازاحة الستار عن اسرارها فهل تتقدم الامم او تتخلف لعلة غير علة المال !!!وهل تندلع الحروب ، وتلتهب التوترات إلا ليثري قوم ويفتقر أقوام!!!وهل شقى اناس او سعدوا بمنأي عن النقود !!!!) ويستطرد الكاتب ويقول (ان الامة إن دعت ما للمال من اثر عميق على ابنائها وعلى مكانتها بين الامم ، و إن هى احسنت استغلال مواردها فقد افلحت .....وان هى استهانت وتجاهلت واهملت مالديها من موارد ومافى يدها من خيرات ، فليس لها سوي هم الدين وخذلان المسعى ) !!! ويستطرد الكاتب ويقول فى نفس الكتاب (تاريخ النقود)(ص22)(فى الاربعينات من القرن السادس عشر ومواكبته لتقنيات الصقل المتقدمة تسبب فى تدفق الفضة تدفقا كبيرا متواصلا ورغم محاولات الحكومة الاسبانية الاحتفاظ بالمعدن لنفسها إلا انه سرعان ما أنتشر فى سائر أوربا وصاحب تزايد امدادات النقود إرتفاع فى الاسعار وهذا مايحدث فى اي مكان).(وفى انجلترا تعاظمت هذه الزيادة الطبيعية للنقود فى عهد هنري الثامن و ادوارد السادس من جراء الخفض المتعمد لقيمة العملة بسبب جمع ايرادات للسلطة الملكية ) هذا الحديث يقودنا الى ان الايرادات او الرسوم التى تجبيها الحكومات وتضعها على اسعار المنتجات الصناعية و الزراعية المستوردة او المحلية توفر عملات محلية ضخمة فى خزانة الدولة دون ان يكون هناك غطاء انتاجى يقابل هذه المنتجات مما يضاف عبْ كبير على كاهل المواطن عند شراء السلع و التعامل معها ويؤثر ذلك بشكل مباشر على الانتاج و الانتاجية ويخلق التضخم جراء هذه السياسة الفاشلة والتى تضخم من سعر المنتج من السلع وتفاقم ارتفاع اسعارها مما يعوق من دورة رأس المال الانتاجية . مااشبه اليوم بالبارحة يتحفنا الكاتب الامريكى فيكتور مورجان بأن الملكة إليزابيث فى مابين عامى 1540- 1560م و عندما هبطت ايرادات السلطة الملكية من جراء التحصيل التقليدي ومن بين الطرق التى لجأت إليها الملكة إليزابيث وكذلك جيمس الاول لدرء اثار الازمة المالية من التكاليف المتصاعدة للحكومة اللجوء لبيع الاراضى المصادرة من الاديرة ومن الواضح بأن هذا المورد الايرادي من بيع الاراضى سوف لن يستمر طويلا فباتت السلطة الملكية تعتمد على فرض مزيد من الضرائب وقد خلق ذلك المزيد من التضخم بفرض المزيد من الضرائب .وهكذا يؤكد الكاتب بأن الضرائب هى التضخم !!مما يتوافق تماما مع رؤيتنا !!!. من هذه الرؤية يتضح لنا بأن الرسوم التى تفرضها الحكومات ماهى إلا تخفيض للقيمة الشرائية لعملاتها والجنيه السودانى ليس استثناءا فهو رمز من رموز السياده مثله و شعار السودان وصقر الجديان و علم السودان وحدود السودان السيادية والتعدي عليهم هو انتهاك صريح لسيادتهم فجميع دول العالم وحكوماتها تعمل جاهدة على الاحتفاظ و المحافظة على ثبات عملاتهم والمحافظة على قوتها الشرائية وبتعمق فى التفكير نجد بأن الدوله التى انساقت بمطاردة السلع ووضع الرسوم عليها و تركت أمر عملتها وارتضت بتخفيض عملتها مقابل الرسوم التى تتحصلها تكون قد انتهكت حرمة و سيادة الجنيه السودانى و اعاقت الانتاج والمنتجين و الانتاجية مما يسهل من هروب رأس المال خارج المنظومة الاقتصادية للدولة وهذا هو السبب الرئيسى فى انفلات اسعار العملات مقابل الجنيه السودانى .!!! وعليه نتفق تماما بأن الدولة تحتاج لمقومات ومصاريف تمكنها من أداء دورها المنوط بها فى جميع المجالات وذلك قد يتطلب مصادر لتمويل خزانة الدولة وعليه لابد للدولة أن تتحرك و تقوم بواجباتها تجاه شعبها وانتاجها ومنتجيها الذي احسبه غزيرا سوي كان صناعيا او زراعيا او فى مجال الحيوانى بمشاركتها فى توزيع السلع وتسويق المنتجات الزراعية و الصناعية خارج السودانى وان نخرج من دائرة الخنوع و الخشوع و البحث عن مستثمرين !!!فيكفى التوجه فى الطريق الصحيح لمسارات اقتصادية سليمه بدلا من التخبط و التجارب العشوائية التى لم نجنى منها سوي الريح !!! وحتى تكون الحكومة حكومة منتجة و ليس عاطلة الاهتمام بشراء السلع الاستراتيجية من المنتجين عبر شركات مساهمة عامة مدعومة بواسطة البنوك الحكومية لفك ضائقة النقد الاجنبى وحتى تتمكن الحكومة من السيطرة على اسعار النقد الاجنبى عليها بالاهتمام بقطاع الصادر وإيلأه قمة اهتمامات الدولة بجانب الاهتمام الثانى و الذي لا يقل اهمية عن الصادرات وهو السياحة بكل انواعها و هنا يأتى دور الاعلام فى الدعم و المساندة لهذا القطاع الهام مع تذليل كل المعوقات والصعاب التى تصاحب القطاعات . وان تتأكد بأن جيب المواطن لا يمكن ان يقوم اقتصاد دولة !!!!ولا يمكن ان تعتمد الدولة على افراد ليقوموا مقامها فى تصدير المنتجات السودانية لتوفير النقد الاجنبى فيما يعرف بعائد الصادر!!!!! السودان دولة منتجة لكثير من السلع الزراعيةو الصناعية و بنظرة و احدة فى الاسواق وبمثال بسيط يمكن ان تلاحظ حجم المنتجات السودانية المكدس فى الاسواق و فى هذه الايام و كما هو ملاحظ الانتاجية العالية لمحصول البصل التى اكتفت الدولة بوضع الجبايات و العمم و الطواقى عليه و تركت امر تسويقه وتوزيعه محليا لفئة من التجار يهيمون به علما بأن البصل سلعة تحتاجها جميع دول العالم وكان من المفترض ان تتدخل الدولة و تشتري هذا الانتاج الوفير عبر شركات مساهمة عامة ويتم تصديره خارجيا ويمكن ان يكون سعر البصلة الواحدة فى بعض الدول نصف دولار امريكى مما ينعش و يقوى الجنيه السودان ويحسن من اداء الاقتصاد السودانى .!! هل تعلم ايها القارئ الكريم بأن سعر الليمونة الواحده فى الصين تعادل نصف دولار امريكى .!!! هل تعلم بأن الطن من البترول يتراوح بين 7- 8برميل واليوم يعادل طن البترول 400دولار علما بأن جميع السلع التى تنتج فى السودان سعرها اضعاف سعر البترول واقرب مثال الى ذلك طن الصمغ العربى يتراوح ما بين 7000- 8000دولار !!! نسأل الله ان يفيق قادتنا من غفوتهم وغيبوبتهم ويستنهضوا هامتهم بالتركيز عبر أنشاء شركات المساهمة العامة المدعومة بالتمويل من البنوك الحكومية بشراء و تصدير المنتجات السودانية صناعية كانت او زراعية او حيوانية مع التركيز على القطاع السياحى ورفع جميع المعوقات الجبائية وذلك لتوفير النقد الاجنبى ودفع الجنيه السودانى الى قوته الحقيقية وحتى تصبح الحكومة حكومة منتجة وغير عاطلة تساهم فى توزيع الانتاج السودانى خارجيا كماكان يحدث فى السياسات الاقتصادية السابقة للخصخصة والتى اوردتنا مورد الضياع والعطاله و البطاله ..!!!! وحتى تعود للجنيه السودانى سيرته الاولى .!!! (اللهم ألا هل بلغت فأشهد) بقلم عبدالمنعم على التوم