سرت وسادت في الأوساط الشعبية منذ بواكير الاستقلال وخاصة عند الساسة الاتحاديين ومريدي الحزب الوطني الاتحادي أن مؤتمر باندونق في أبريل 1955 شهد اختلافا حول شكل العلم الذي يوضع على طاولة المؤتمر امام الوفد السوداني، إذ لم يك للسودان علما رسميا بعد يشير لاستقلاله عن مصر وبريطانيا. جاء في الرواية أن الرئيس إسماعيل الأزهري، رئيس وفد السودان للمؤتمر، رفض اقتراحا من الرئيس جمال عبد الناصر أن يجلس الوفدان السوداني والمصري وأمامهم على الطاولة علم مصر بحجة أن السودان لم يعلن استقلاله بعد! (إن صح تبادل الرأي هذا بين الأزهري وَعَبَد الناصر فلهو مؤشر آخر لتخلي أزهري باكرا عن نداء الوحدة مع مصر واعتصامه بخيار الاستقلال حتى قبل إعلانه من داخل البرلمان نهاية العام نفسه (ديسمبر 1955): فما كان من عضو الوفد السوداني. مبارك زروق إلا أن وضع منديله الأبيض على رأس قلمه الأسود أمام الوفد علما للسودان! وهكذا راجت قصة المنديل الديبلوماسي. إلا أنني استمعت لرواية اخري من شاهد عيان حضر مؤتمر باندونق أحسبها أصدق وأقرب إلى الحقيقة من رواية "المنديل العلم". الشاهد هو الجزائري محمد يزيد عضو مجلس قيادة الثورة الجزائرية ووزير الإعلام في الحكومة الموقتة للجزائر. شارك السيد يزيد في مؤتمر باندونق بصفة المراقب ممثلا لجبهة التحرير الجزائرية ضمن وفود أخرى لحركات التحرير حضرت المؤتمر( كان مؤتمر باندونق مؤتمرا للحكومات). التقيت بالسيد يزيد في الجزائر العاصمة في أكتوبر 1990 إبان رئاستي لسفارتنا هناك وكان آنذاك مديرا للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية. قال لي : حينما احتار فريق المراسم الإندونيسية عن أي علم يوضع أمام الوفد السوداني اقترحت عليهم كتابة اسم السودان باللون الأسود علي قطعة قماش بيضاء وعليها نهر النيل وقد كان كما روي يزيد. صحيح أن آفة الأخبار رواتها ولكن كلما براءت الرواية وصفت من الغرض السياسي أو الثقافي/ الاجتماعي كلما اقتربت من جذر الحقيقة وصارت أصدق وقعا في سياقها الزماني والمكاني. اما الكلمة الفصل عند الترجيح أي الروايتين صنو الحقيقة فهي مخبوءة في طيات أرشيف مؤتمر باندونق ومقتنياته من وثائق وصور فوتوغرافية لقاعة الاجتماعات . ++++ د. حسن عابدين باحث وسفير سابق