الإختراق الحزبي Entryism هو إستراتيجية سياسية أو أمنية تقوم فيها جهات حزبية أو أمنية بتشجيع عُضويتها بالإنضمام إلي حزب آخر او حركة عسكرية بغرض الإختراق عن طريق زرع عُملاء داخله للحصول علي معلوماتٍ و أسرار ذلك الحزب او الحركة ومعرفة إستراتيجياته وخُططِه و طريقة إدارته. تتم عملية الإختراق هذه بطرق مختلفة ومتنوعة وخلاقة innovative، لكنها تعتمد فى الأساس على التجنيد والإغراء والمتابعة. تخصصت مخابرات الدول الكبرى فى التخطيط والتنفذ لعمليات إختراقات معقدة اكسبتها يصعب تجارب ثرة يصعب وصفها وتحليلها. لكن من أجل تبسيط الفكرة لتتناسب مع ما أود ان أطرحه إخترت مثالا مبسطا حديثا لإختراق نفذته المخابرات الروسية FSB. فقد قامت بزراعة العميل أندريا كابيتنوف فى أحد الاحزاب السياسية الليبرالية Parnas. بعد أن ساعدته المخابرات الروسية فى إنشاء فرعية للحزب فى مدينة مورمانسك قامت بعدها بإرساله إلى الحدود الروسية النرويجية بالقرب من المدينةالنرويجية كِيركِينس. هناك قام كابيتنوف بالإتصال بالمخابرات النرويجية PST وطلب منهم دعما للحزب الليبرالي. عنده رجوه لمدينة مورمانسك قام كابيتنوف بكشف معلومات أن حزبه يتلقي أموالا من الناتو عن طريق النرويج. كانت الإستراتيجية من عملية الإختراق تلك هي ضرب مصداقية الحزب الليبرالي خلال إنتخابات مجلس الدُومة الرُوسي فى سبتمبر 2016. كذلك ضرب مصداقية النرويج فى تدخلها فى الشؤون الروسية الداخلية. كلما طالت الفترة الزمنية للديكتاتوريات كلما نجحت فى زرع عملاء لها داخل الأحزاب السياسية. أقرب مثال لذلك هو نجاح حزب روبرت موقابي وحزبه زانو فى زراعة بيرسون مبليكوا داخل حزب الحركة الديمقراطية للتغيير MDC التى يرأسها شفينجراي. إلتحق مبليكوا بالحركة الديمقراطية للتغيير كمستشار للشؤون الأمنية، فى ذلك الوقت كان يعمل ضابطا فى جهاز المخابرات المركزي CIO. قدم استقالته من الحركة الديمقراطية للتغيير وأعلن إنضمامه لحزب روبرت موقابي. الاسبوع الماضي فاز مبليكوا فى الإنتخابات الأولية فى زيمبابوى وسط دهشة أحزاب المعارضة وشفينجراي ذات نفسه. وكانت العديد من منظمات المجتمع المدنى الزيمبابوى قد اعلنت مرارا وتكررا وعبرت عن قلقلها علي الإختراقات الأمنية فى أوساط المعارضة الزيمبابوية. أما اكبر عملية إختراق لمخابرات أجنبية هو ما يحدث الآن من خلافات داخل اروقة الاحزاب السياسية الامريكية والدور الذي تلعبه روسيا فى هذا الاختراق. ذلك يعنى؛ حتى الحكومات الديمقراطية غير مستثنية من خطورة الاختراقات الأمنية. فدولة مثل تنزانيا تنعم بنظام ديمقراطي لكن أيضا نجح الحزب الحاكم Chama Cha Mapinduzi فى اختراق العديد من الاحزاب السياسية التنزانية مما ادى إلي إضعاف المعارضة .. قبل ايام كشف الاعلام الإسترالي عن محاولات للحزب الشيوعي الصينى لإختراق النظام السياسي الإسترالي عن طريق السيطرة علي المجتمعات الإقتصادية الصينية فى أستراليا. فقد كشف الاعلام الأسترالي فى تغطية مفصلة عن كيف دعم رجل الأعمال الصينى جاو زهو زيرونغ لأحد الاحزاب الأسترالية بمبلغ مليون دولار بينما إتضح أنه عضوا فى قمة الاجهزة الحزبية للحزب الشيوعي الصينى. جاو ليس الوحيد فهناك عشرات من العملاء الصينيين الذين إخترقوا العديد من الاحزاب السياسية الأسترالية. الأحزاب السودانية لا تشذ بالطبع عن قاعدة الإختراق الامنى هذا. فهى تعانى من ضعف التمويل المالي و ضعف الديمقراطية الداخلية مما يجعلها عُرضة لزراعة عملاء أمنجيين يعملون لصالح أجهزة نظام الإنقاذ ولصالح اجهزة مخابرات دولية أخري. فمثلما دخلت الموساد إلي السودان من باب ترويج السياحة السودانية فى منتصف الثمانينات ايام الحكم المايوى فقد نجحت قطر أيضا من الدخول من نفس الباب لزراعة عملائها داخل الأحزاب السودانية اليمينية منها. ففى عام 1984 قامت الموساد بتجنيد ضابط كبير فى الإستخبارات العسكرية السودانية عن طريق عمِيلة الموساد الحسناء (يُولا) التى كانت تدير القرية السياحية فى عروس شمال بورسودان والتى إنشئت لتكون مركزا لإدارة أكبر عملية جاسوسية سميت (بعملية موسي) لترحيل اليهود الفلاشا من إثيوبيا عن طريق السودان إلي إسرائيل. فكل الدراما التى تابعها الشعب السودانى بخصوص مدير مكتب البشير وملابسات إقالته من المنصب ماهى الإ عملية زراعة تجسسية ناجحة من دول الخليج فى زرع عميل لها يكشف لها كل أسرار نظام الأنقاذ بحيث يمكن إستغلاله لتحقيق أجندة تلك الدول. فمدير مكتب البشير كان مطلعا علي الكثير من الفايلات تعدت حتى صلاحياته بان أصبح يدير حتى شؤون العمل الدبلوماسي الخارجي وإدارة ملفات أمنية مع وكالة المخابرات الأمريكية والخليجية والإفريقية. فواحدة من وسائل زرع العملاء هى من خلال منحهم جنسيات لدول أجنبية تسمح لهم بالتحرك بحرية. ضربت مليشيات الانقاذ الحركات الدارفورية من خلال زرع عملاء لها داخل تلك الحركات يرصدون تحركاتها العسكرية والتى ساهمت بصورة مباشرة فى الخسائر التى تعرضت لها تلك الحركات ابتداء من مقتل خليل ابراهيم فى عملية تجسسيه نوعية الي خسائر معركة قوز دنقو. احد عملاء الإنقاذ هؤلاء يدعي حسن تم تجنيده فى إنجمينا إلتحق بعدها بقوات حركة العدل والمساواة فى الجنوب والان ضابطا امنيا فى مليشيات الانقاذ الأمنية المسماة الدعم السريع. بعض الإختراقات الامنية حدثت بعد خلافات بين عضوية التنظيمات السياسية أو الحركات العسكرية أو الجاليات السودانية لأسباب مختلفة. إستثمرت الإنقاذ فى خلافات السودانيين فى المهاجر خاصة فى الولاياتالمتحدة وكندا وبريطانيا ودول غربية اخري وجندت المئات من العملاء مدتهم بالأموال والمعلومات لضرب وحدة المعارضة السودانية. ساعدها فى ذلك التطورات التقنية فى برامج التجسس والتصنت والإنتشار الواسع لوسائط التواصل الإجتماعي خاصة الواتساب والفيسبوك والذي سمح بسهولة عمليات الرصد والنقل والتواصل وتبادل الصور والرسائل الصوتية. فقد نشأت خلافات حادة داخل تجمعات معارضة فى الدول الغربية خاصة أمريكا وكندا نقلت تفاصليها من قروبات الواتساب والفيسبوك لأجهزة الانقاذ الأمنية إستخدمات فى تفتيت وحدة العمل المعارض. لاحقا تم مكافأت أؤلئك العملاء بوظائف برلمانية ودبلوماسية ورحلات إلي السودان مدفوعة التكلفة الفندقية والنثريات.. بالأمس القريب إعترف الصادق المهدي بأن احزاب المعارضة مُخترقة مما أدى إلي إضعافها ومن قبله كتبت إبنته رباح الصادق المهدى أن حزب الأمة تعرض وعانى من الإختراقات طيلة مسيرته السياسية. كذلك إعترف صديق يوسف من الحزب الشيوعي بوجود إختراقات داخل الحزب رغم النفي المتكرر من الحزب لوجود الإختراقات والعملاء داخله. أفضل من وثق للإختراقات الحزبية هو الصحفى الأستاذ فتحى الضو فى كتابه الأخير المسمى (بيت العنكبوت) بمعلومات موثقة من أحد عملاء جهاز الأمن بعد إنسلخ عن الجهاز ووضع ما لديه من وثائق ومعلومات بين يدى فتحى الضو. اختراقات جهاز الامن وصلت الي إرسال وتجنيد المئات من العملاء الذي دخلوا من باب اللجؤ السياسي للقيام بمهام استخباراتية لصالح الانقاذ ومخابرات عربية اخري. أخطر انواع الاختراقات هى إختراقات أجهزة المخابرات العالمية للقوى السياسية المعارضة والحاكمة علي السواء. فالمعلومات التى تحصلت عليها تلك المخابرات الاجنبية من عملاء سودانيين تمس مباشرة أمن واسرار السودان إستخدمت فى تقسيمه وتفتيته وتبديد موارده الطبيعية والمالية. وقد جندت اسرائيل وبريطانيا وامريكا العشرات منهم. تبقي السؤال كيف تحمى هذه الاحزاب والحركات نفسها من الإختراق؟ ليس هناك إجابة سهلة أو وصفة معروفة للإجابة علي هذا السؤال. وكما أوضحنا أن كل الاحزاب و تحت أي نوع من انواع الحكم هي عرضة للإختراق. الحماية من الاختراق تتطلب بناء أنظمة ببروتوكولات وسياسات مفصلة تستطيع أن تحمى بها تنظيمك أو حزبك من الإختراقات. فلابد أن تكون لك مواصفات للعضوية الجديدة وطريقة تدرجها فى إدارة الحزب. وأن تكون هناك قنوات رسمية متعارف عليها بين القيادة فى التواصل بينها وبين عضويتها. وأن تكون هناك لوائح وقوانين تحكم التعامل المالي وكيفية الصرف والتوثيق. تقوية الديمقراطية الداخلية تحمى التنظيم من الإختراق لأنها تعضض مبدأ الشفافية فالكثير من العملاء يحمون انفسهم بغطاء من الفساد وشراء الذمم والعلاقات والصداقات الشخصية...نقطة أخيرة علي القوى السياسية أن تعول علي أنها أحزاب ديقراطية وليس بيوتات مقفولة أو شلليات أو مجموعات إثنية مغلقة. قد تبدو هذه الفكرة متناقضة لكن من واقع التجربة اعتقد أنها تقلل من خطورة الإختراقات... سيف اليزل سعد عمر إستشاري فى شؤون المنظمات والنقابات العالمية 14 يوليو 2017 السويد - استكهولم