أظنها ليست المرة الأولى التي تضع فيها معظم لجان الدولة ومجالسها بند مكافحة الشائعات موضوعاً للنقاش وتصدر المقترحات ما بين متطرف يعتمد نظرية (أصبعي كان وجعني بقطعو)، وبين مهدد للذبابة بسيف أو مقتنص البعوضة برمح.. فينفض الجدل و(طق الحنك) هذا ثم تقبر الذاكرة قصة الشائعة التي استغفلت ذكاء الرأي العام والتي تعود بعد حين ويتكرر بعودتها نفس المشهد من جديد. تهزمكم وتقتلكم الشائعة سادتي بلا قتال مثلما وصف المتنبي الموت: ونرتبط السوابق مقربات وما ينجين من خبب الليالي تهزمنا (الشائعة) دائماً لأنها تستفيد من فراغ خانة (الحقيقة) في ملعبنا.. حين تغيب الحقائق تسود الشائعات وحين يغيب الذهن الوقائي الذكي يسقم الجسم وتتبادل العلل الدور عليه.. نعم قد يكون من المهم تجهيز التشريعات الرادعة لمنع الجرائم الإلكترونية التي تستهدف سمعة الأشخاص والمؤسسات بالأكاذيب والتلفيقات، لكن ليس كافياً ولا ناجعاً مثل هذا العلاج لمنع الشائعة في عالم يحلق بكامله في فضاءٍ غير محدود، وستصبح تهديدات مكافحة الشائعات بواسطة القانون تستدعي قصة جرير والفرذدق وقصيدة جرير المتهكمة (زعم الفرزدق أن سيتقل مربعاً فابشر بطول سلامةٍ يامربع) . لن تنجح محاولات الحرب على الشائعات إلا بمواجهة تلك الشائعات في منابرها وبأدواتها وبإمكانيات انتشارها وهزيمتها هناك في معترك السوشيل ميديا الذي هو المكان الوحيد لخوض تلك المعركة. وببساطة شديدة فإن معركة المعلومات هذه تشترط في مواجهتها استخدام نفس الأسلحة.. أسلحة المعلومة وحدها والتصحيح السريع والمبكر.. وما لم يتصد لملف الشائعات من يفهمون في هذا المجال وأصحاب الخبرة والاختصاص لتطوير أدوات المواجهة بإطلاق سراح المعلومات والمبادرة من خلال استباق الشائعة بتوفير الحقائق والمعلومات خاصة تلك المرتبطة بالظواهر والحوادث والجرائم التي تقع في المجتمع ما لم يحدث هذا ستظل الشائعات آمنة في سربها تمد لكم لسانها . سيقول قائل إننا لو جارينا الشائعات بالرد عليها بهذا الأسلوب فسنقويها لكن هذا التوقع خاطئ تماماً والعكس هو الصحيح لأن المواطن سيصل درجة يعرف فيها الموقع الإلكتروني الذي يتحقق فيه من صحة ما يسمع ويقرأ وسيجعل هذا المصدر مستقبلاً هو مصدره الأساسي والموثوق للمعلومات وسنصل درجة يصبح فيها تويتر الشرطة والداخلية وفيسبوك وزراة الدفاع وانستغرام رئاسة الجمهورية هي مصادر معلوماتنا وتنتهي قصة الشائعات بسهولة مثلما يحدث في كل الدنيا الآن. قبل أن تكمل رسالة تزعم أن ترامب صرح بنيته ضرب إيران ترجع بسهولة الى صفحة ترامب لتتأكد من صحة الخبر. ولا شيء يمنع أن تطبق مؤسسات الدولة في السودان هذا النظام بإلزام جميع المؤسسات بتشكيل حضور كامل في في الشبكة الإلكترونية وتفعيل مواقعها على رأس الساعة.. حينها ستموت آلاف الأكاذيب قبل ولادتها. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوالتالي