تكللت الزيارة السامية للسيد الرئيس بتوفيق اوضاع المستشفي الفقير والمعدم من كافة الخدمات الطبية.. حيث جلبت اسرة جديدة طرحت عليها مراتب فاخرة من شركة زينوس.. ثم عمد الممرضون بفرش ملاءات جوتشي الايطالية الفخمة وكسيت المخدات بذات الطقم الفاره.. واعيد ترميم الجدران وعلقت عليها صور الرئيس الهمام وهو يرقص.. وكُثفت الاضاءة بعدما كانت خافتة وحالمة.. وجهزت غرف العمليات باحدث المعدات الطبية.. حتى الشجر التعيس والمنكود حول المستشفى وداخلها منح جرعات كافية من الماء والسماد وعزفت له موسيقى نيكولاي كورساكوف لانها تريح الاغصان وتمنح الاوراق الذابلة لمعان جذاب وخضرة داكنة محببة حسب ما قال دكتور علم النبات.. مُليئت الصيدلية بكافة الادوية بعدما كانت خاوية على عروشها.. زرع الاطباء والممرضون ابتسامة الموناليزا على وجوههم المكفهرة بعدما ازالوا القناع العبوس القميء.. كان السيد الرئيس يتجول بزهو الطاؤوس حول المرضى التعساء الميئوس منهم.. الذين بدا عليهم الضعف والهزال ظاهرا.. ضعفت بنيتهم كما البوبي سان في عز اضرابه عن الطعام.. وغارت عيونهم كما المياه في قبقبة.. وبرزت ارانب انوفهم الجافة مثلما حصي وادي الحمار.. كانوا هياكلا مريبة لفت بجلود داكنة السواد كاحلام الرجل الذي ادعى انه ابن الرئيس.. لم يكن (الدِرِب) المعلق اعلي السرير والواصل الى عروق المرضى الجافة يجدي نفعا كما لا يجدي الحمار العلوق ساعة السفر.. وقف السيد الرئيس بعنجهية المعهود وكبره الزائف وسطوتة الكاذبة.. وقف مستندا على عصاته المهدودة وكان يرتدي بالطو ابيضا.. ويضع سماعة طبية على رقبته التى تحمل راسا يوسوس له ان كل ما يفعلة من عوج وخراب هو طريق الله.. وتُرِكتْ السماعة تتدلى على صدره المحشو بالغل والخشونة كان كرشه الممدد مكدسا من خيرات مزارعه المليارية الوهمية.. وقف امام مريض شقي هالك لا محالة.. كان المريض يتلو ايات من سورة يس يقي بها شر سكرات الموت ويمهد لنفسه لقاءا حميدا مع الله .. شارفت انفاسه المتسابقة على الانقطاع.. دنت لحظته مع الموت الفجيعة.. - الحقني ايها الطبيب.. - لست طبيبا ايها المريض.. انا رئيس جمهورية .. قال بانهاك وبانفاس تعلو وتهبط: لماذا ترتدي زيا مثل الاطباء.. لماذا تشوش علينا ونحن بالكاد نرى.. - هكذا دأبت حينما ازور المهندسين ان ارتدي ملابسهم وخوذاتهم.. - هل كنت تحمل المسطرة الكبيرة كما يفعلون.. ازداد حنق الرئيس من مجادلة مريض الكوليرا الذي يتلو ايات بينات من سورة يس ..وضاق ذرعا من اشارات وايماءات الذين يوجهون له النقد في كل مكان.. كان يكمم الافواه والصحف حتى الكلاب وضع لها لجاما حول فمها لمنعها من النباح.. اما مريض الكوليرا صاحب الجبهة المشرقة حاول النهوض لتحية الرئيس المبجل دون جدوى.. ثم سند راسه على وسادة جوتشي المهيبة.. كان مريض الكوليرا صاحب الجبهة المشرقة والدقن الكث يعتقد واهما ان السيد الرئيس ما هو الا هدي يوصله الى الله كما قالوا له في المساجد.. مريض الكوليرا الذي يتلو يات من سورة يس قال مخاطبا وجه البلاد الكبير : سيدي الرئيس لقد اضحينا اشباحا نحن على مشارف الموت .. انقذنا.. - لا تخف لن تموتوا طالما كنتم اشباحا.. (الاشباح لا تموت) هكذا جاء في رواية (احاد اغسطس).. ابشركم بعمر نوح وما بعد عمر نوح.. فاحت رائحة نتنة لبراز سائل تشبه الى حد كبير الرائحة الفظيعة لجثث اصدقاء الرئيس المسجاة في انتظار الدفن.. اصدقائه الذين غدر بهم طوال السنوات الحالكة لحكمه المديد.. التفت الرئيس ناحية الطبيب المرافق له وقال له : كم يتبرز هؤلاء المرضى في اليوم الواحد .. - انها الكوليرا اللعينة سيدي الرئيس.. انهم يتبرزون على راس كل ثانية .. في نشرة التاسعة وفي التلفزيون المتهالك للعاصمة قرأ مذيع مجهول النشرة الاخبارية: بعدما تفقد رئيس البلاد الميمون جموع المرضي الذين ضربتهم (الاسهلات المائية) التى يسميها اعداء الوطن واعداء الشعب بالكوليرا.. طمأن الرئيس المبجل جميع المرضى الذين غدوا اشباحا بانهم لا يموتون هكذا يقول باتريك موديانو الحائز على جائزة نوبل للعام 2014م.. وان المرضى سيعمرون الى عمر النبي نوح او ما يتعداه.. كما طالب السيد الرئيس من نقابة (اصحاب المراحيض) عدم اخذ اي اجرة لقاء دخول مرضى الاسهلات المائية للحمامات الخاصة لقضاء الحاجة تجاوبا مع معاناتهم الاليمة ومساندة لوكعتهم الصحية المشؤومة.. كما امر سيادته بتخصيص حمام واحد على الاقل من المراحيض لهؤلاء المرضى التعساء القانطين.. حتى لا تعييهم الصفوف الطويلة لافراغ حمولتهم من الغائط.. جاء الجنود في اليوم التالي لمريض الكوليرا الذي كان يتلو ايات من سورة يس سلموه ورقة رئاسية مكتوب عليها بخط كوفي ركيك كأنه احد طلاسم الكجور اندريا واني (الكوليرا ايها المريض المنحوس مثل الفرزدق تماما لا تقتل احدا.. وذيلت الرسالة ببيت الشعر الشهير زعم الفرزدق ان سيقتل مربعا** ابشر بطول سلامة يا مربع النذير زيدان