توالت ردود الافعال الرسمية من الحكومة السودانية علي حديث السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة سامانثا باور امام مجلس الامن الدولي والاتحاد الافريقي والتي قالت فيها ان اتفاقية الدوحة "شبعت موتاً" ودعت لانشاء منبر جديد. فبعد بيان الخارجية السودانية قبل ايام الذي ادان حديث باور، عاد القائم بالأعمال بالإنابة ببعثة السودان الدائمة بالامم المتحدة السفير حسن حامد حسن، ليصدر بيانا آخر اليوم (الاحد) قال خلاله أن "بيان المندوبة الأمريكية بشأن دارفور في مجلس الأمن، إنما قصدت من خلاله تضليل المجلس بمعلومات خاطئة حتى يظل المجلس صامتاً تجاه الإنتهاكات الصارخة التي قامت بها المجموعات المتمردة الرافضة للسلام في دارفور في مناطق حسكنيته واللعيت جار النبي والطويشة وكلمندو وآخرها في مليط"، وفقاً لنص بيانه. ويشكل تتابع البيانات والادانات مؤشراً علي قلق حكومة البشير من رمال تتحرك، فالولاياتالمتحدة تحدثت الايام الماضية اكثر من مرة عن ازمة دارفور بعد صمت طويل ولم يكن حديثها هذه المرة تقليدياً ومكرراً بل سيمثل إنقلاباً في المعادلة الدارفورية كلها اذا مضت فيه للامام. وكانت مندوبة الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن سامنثا باور قد نعت اتفاقية الدوحة للسلام، وطالبت اعضاء مجلس السلم والأمن صراحة الى البحث عن منبر جديد لحل قضية دارفور. ووجهت سامنثا باور ، انتقادات لاذعة لاتفاقية الدوحة لسلام دارفور ، وقالت في مداخلة أمام اجتماع مجلس السلم الأفريقي بأديس ابابا (الاثنين) الماضي إن وثيقة الدوحة عفى عليها الزمن وأصبحت لا يُعتمد عليها. ودعت اعضاء المجلس إلى إيجاد منبر جديد لحل قضية دارفور. وانتقدت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة سامانثا باور الحكومة السودانية وقوة حفظ السلام المشتركة من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور والمعروفة اختصارا باسم يوناميد. واتهمت الخرطوم بعرقلة عمل قوات حفظ السلام وقالت إن جنود حفظ السلام يجب أن ينتهجوا موقفا أكثر فعالية في حماية الناس. واستنكرت الولاياتالمتحدةالامريكية تصاعد العنف في الآونة الأخيرة في منطقة دارفور بغرب السودان وقالت إن المدنيين "يتعرضون للترويع والتشريد والقتل" على الرغم من وجود واحدة من أكبر بعثات حفظ السلام في العالم. وأضافت "نحن نستنكر أحدث الهجمات في جنوب دارفور التي شنتها قوات الدعم السريع المدعوعة من الحكومة السودانية. وقد تسبب استمرار العنف في المنطقة ومن ذلك الاشتباكات التي وقعت في الآونة الأخيرة في شمال دافور ... في تشريد ما يقرب من 120 ألف شخص منذ يناير". ومن المعروف ان قوات الدعم السريع هي قوات حكومية قوامها من الجنجويد ويقودها لواء في الجيش السوداني ومساعده احد قيادات الجنجويد المشهورين. وفي نفس الاتجاه، طالبت الولاياتالمتحدة الاميركية (الخميس) السودان بحماية حق التجمع السلمي بعد اتهام قوات الامن السودانية باطلاق النار على متظاهرين الثلاثاء وقتل طالب جامعي. وقتل علي ابكر موسى ادريس الطالب بجامعة الخرطوم اثر اصابته اثناء تظاهرة لطلاب الجامعة تطالب بتحقيق السلام في اقليم دارفور. وقالت السفارة الاميركية بالخرطوم في بيان ان "ممارسة المواطنين لحقهم في التجمع السلمي والتعبير عن ارائهم دون قيود او خوف هو أساس الحكم الديموقراطي". وعبرت السفارة عن اسفها لفقدان الارواح والاصابات . وتشكل التصريحات الامريكية المتتالية عن السودان انقلابا علي الاستراتيجية الامريكية التي ظلت تتبعها تجاه ملف دارفور - الذي تحول عندها لملف انساني تركز خلاله علي الاوضاع الانسانية للمدنيين مع الصمت تجاه التطورات السياسية او دعم اتفاقية الدوحة. كما ان كل ذلك يأتي مع حركة ضغط دولية واقليمية كبيرة علي الحكومة السودانية – بجانب الحركات المتمردة – للتوصل لاتفاقيات سلام جديدة وانتقال سلمي للسلطة، وهو ماتفهمه حكومة البشير جيداً وتعمل علي مواجهته وتقليل آثاره باجراءات ضمنها فتح لمنابر حوار مع المعارضة بالخرطوم والتقارب مع الجماعات الاسلامية وبينها حزب الترابي. إلا أن معظم المحللين يجمعون علي ان ازمة دارفور لن تحلها الاتفاقيات التقليدية مهما كان حجمها وانها تحتاج لتدخل دولي علي مستوي كبير وبامكانات ضخمة مثل زيادة عدد القوات وبرنامج للعدالة والمحاكمات وضخ مليارات الدولارات لاعادة اعمار الاقليم وكلها مطلوبات لايبدو انها تجد الارادة الدولية الكافية للالتزام بها مايعني استمرار جذور النزاع حتي ولو ادت الاتفاقيات لهدنة مؤقتة.