حسم حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان أمرَ الحوار الوطني الذي كان الرئيس البشير هو صاحب فكرته كما فصّلها في «خطاب الوثبة المنطلقة»، ووضع المعارضين الذين استجابوا لدعوته أمام الأمر الواقع. كما يبدو من التصريحات والأحاديث التي نشرت وأذيعت للرئيس ونائبه الدكتور إبراهيم غندور، أنهم ماضون في قرارهم وأنهم ساروا خطوة يصعب التراجع عنها. ففي الأسبوع الماضي وضعت الحكومة أمام المجلس الوطني (البرلمان) قانون الانتخابات، فأجاز المجلس مرحلة السمات العامة، وبذلك أصبح من المؤكد أنه سيجيز القانون في مرحلة القراءة الأخيرة. قامت حكومة «المؤتمر الوطني» بهذه الخطوة الحاسمة، ولم تلتفت للأصوات القليلة التي كانت تدعوها للتريث ومحاولة إحياء مشروع الحوار القومي، والتي ارتفعت على حياء من بعض نوابها، ولم تلتفت إلى الاقتراح الذي عرضه باسم حزب «المؤتمر الشعبي» شيخهم الترابي، حول قانون الانتخابات. بل سارعت الحكومة إلى إيداع مشروع تعديلات الدستور الدائم للبلاد، مؤكدة أن المجلس الوطني سيقوم بالموافقة على مشروع الدستور الدائم. هذه الخطوات التي قامت بها الحكومة أمام البرلمان هي الفصل الأخير من المسرحية التي قامت بتأليفها وإخراجها باسم «الحوار الوطني»، ولم تعبر أمام أولئك «المتفائلين» الذين تفاءلوا خيراً عندما خطب الرئيس أمام صفوة مختارة من المعارضين والموالين مطلع هذا العام وأعلن أنه يدعو جميع السودانيين لحوار وطني لا يستثني من المشاركة فيه أحداً! قانون الانتخابات ومشروع الدستور الدائم للبلاد، من أهم القضايا التي كانت المعارضة تطالب بأن تكون على أجندة الحوار الوطني، مع المطالب الأخرى المتكررة حول بسط الحريات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون الأمن الوطني الذي يكبل كل خطوة جادة نحو تهيئة المناخ الصحي لحوار وطني جاد يخرج بالسودان من أزمته الخانقة في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية، إذ لا يعقل أن يتحاور المعارضون مع حزب وحكومته في قاعة الصداقة وطائرات الحكومة وجيوشها مستمرة في حرب ضد شعبها في دارفور وكردفان وغيرهما من أقاليم السودان. منذ البداية لم يتخذ بعض أركان المعارضة السياسية، وفي مقدمتهم الصادق المهدي زعيم حزب «الأمة» والترابي زعيم «المؤتمر الشعبي»، الموقف السياسي السليم من مبادرة البشير، إذ قبلوا الجلوس أمامه في قاعة الصداقة متصورين أن الحكومة وتنظيمها يمكن أن يأتي منهما الخير للبلد والشعب، وأنهما يمكن أن يعترفا حقاً وصدقاً بأن في البلد أزمة شاملة ستقود لانهياره، وبأن الطريق الوحيد هو أن يجلسوا مع غالبية أهل السودان على مائدة الحوار للوصول إلى حل قومي شامل للأزمة التي صنعتها سلطة «الإخوان» على مدى ربع قرن من الزمان. وقبل أن تضع الحكومة قانون الانتخابات وتعديلات الدستور، أعلنت على لسان البشير ونائبه الدكتور غندور أنها ستمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات الدستورية، وصولاً لإجراء انتخابات رئاسية في الموعد المحدد.. بل أعلن الرئيس أن لا تفاوض مع «الجبهة الثورية» وأن كل من له صلة بها أو يدعو لإشراكها في أمر البلد ستشمله وصمة الخيانة! لقد كشفت الحكومة مشروعها الأصيل الذي كانت تهدف من الحوار الوطني أن يبصم عليه معها بعض المعارضين الإسلاميين.. بذلك يكون البشير وحزبه قد وضعا المتفائلين والمتشائمين معاً أمام الأمر الواقع، فتُرى ماذا هم فاعلون؟ الاتحاد