1. كتبت من قبل في هذا الموقع عن سد النهضة في عمومياته دون الخوض في تفاصيل التصميم . لم أتطرق لجوانب تصميم السد وعوامل سلامته - رغم أهميتها القصوى المعلومة للجميع - لأنها ليست في مجال إختصاصي. ولم أتطرق لجوانب كمية الطاقة التي يمكن أن ينتجها السد أوعدد وانتاجية التيربينات التي يجب تركيبها فيه - رغم أن هذه الأمور هي من صميم مجال تخصصي – لأنني حينها لم يكن لي أي إهتمام بها لأنها أساسا تهم أثيوبيا حصريا ، ولا تهم السودان في شيئ ، ولأثيوبيا إختصاصيوها الرموقين في هذا المجال. 2. لكن مؤخرا ، انتابني فضول أن أنظر في مقدارين: (أ) كمية الطاقة الكهربائية السنوية من محطة السد التي يقول بها مصممو المحطة ، و(ب) سعة القدرة التوليدية التي قرروها للمحطة ؛ ومقارنة الكميتين مع ما أفادت به حساباتي المبنية على معلومات السد التي أوردها المصممون أنفسهم في تقريرهم الرسمي وبنوا عليها حساباتهم ذاتها. وكانت المفاجأة أنهم ، أي المصممون ، يقولون : (أ) أن أثيوبيا ستحصل على طاقة كهربائية مقدارها 15692 قيقا واط في العام . في حين يقول الحساب أنها سوف تحصل على أقل من 13000 قيقا واط في العام لا أكثر . فتقديرات (أو إدعاءات) المصممين تفوق قول الحساب البسيط بحوالي 21 % ، وهي نسبة ليست قليلة. (ب) أن تشتري أثيوبيا وتركب 16 (ست عشرة) تيربينة . في حين يقول الحساب أنها تحتاج 12 (إثنتا عشرة) تيربينة أو أقل . لقد ضخم المصممون عدد التيربينات المطلوبة بحوالي 33 % أو أكثر.. مع العلم بأن قيمة التيربينة الواحدة والتي تنتج 375 ميقا واط ، بمولدها ومعداتها الأخرى ومتطلبات تركيبها ، تقدر بمئات وليس عشرات الملايين من الدولارات . فالتيربينة الواحدة مشروع قائم بذاته تقريبا ، يوظف له عشرات الفنيين شهورا عددا في البلد الصانع. بالإضافة لتكاليف قطع الغيار والصيانة لعشرات العقود من السنين . ولا تفسير لزيادة التيربينات غير قصد زيادة مبيعات ومكاسب الشركات ؛ لأن التفسير الآخر - أن يعمل التوليد لمدة ستة ساعات فقط في اليوم طيلة أيام السنة ويوقف بقية ساعات اليوم - لا يتناسب مع متطلبات منطقة نامية تتوسع في استخدامات الكهرباء 24/7، نعم بزروة ، ولكن في حدود 50% من الإستهلاك الكلي ؛ فليس كل الإستهلاك زروة 100% . 3. وماذا يضير السودان من كل هذا؟ لا شيئ البتة في الظاهر! لكن في الجوهر لا يستبعد أن يكون سلوك مصممي المحطة هذا نذير باحتمال إنتشار عدم أمانة الشركات في كل مرافق السد الأخرى في مقابل ثقة أثيوبيا في أمانتهم ... فيكبرون فوائدهم من المشروع على حسابها. وعليه ، يجب ألا نطمئن نحن ولا أثيوبيا لأمانتهم فيما يخص عوامل السلامة في بناء السد . هذا هو الأمر الذي دفعني لكتابة هذه السطور. 4. حوالي عام 2008 أعلنت الإنقاذ للناس عدد تيربينات سد مروي العشرة ، وسعة قدرتها التوليدية 1250 ميقا واط ، وفاخرت بها الأمم قبيل وأثناء تركيبها. وشاع الحديث عن بدء التحضير لتصدير فائض كهرباء السد لدول الجوار . وكان "الرد بالسد" شعار المرحلة. حينها كتبت مبينا بالحساب حقيقة الطاقة التي يمكن أن ينتجها سد مروي ، وأن السد سوف لن يحل مشكلة نقص الكهرباء في السودان ، دعك عن أي فائض منه ، باعتبار أنهم ضخموا إنتاجه وقللوا طلب السودانيين من الكهرباء. لكن حكومة الإنقاذ سفهت ما قال به الحساب ولم تعره أي اهتمام . وما استبانت الإنقاذ الأمر إلا ضحى الغد . وأعيد النصح هذه المرة بشأن سد النهضة ، لكنه في أمر أكثر خطورة مما كان عليه الحال في سد مروي ! 5. ما يجب على السودان القيام به الآن: أ - العمل بتضامن قوي مع الأثيوبيين على إيفاء كل عوامل السلامة حقوقها الكاملة ؛ فأثيوبيا لا يقل إهتمامها بسلامة سدها من إهتمام السودان به. وأن يقنع السودان أثيوبيا بإشراكه لتدقيق التصميم ومراقبة التنفيذ، حتى ولو يتولى السودان دفع تكاليف المهمة ثمنا لإبداء الرأي والإطمئنان . وألا تكتفي الدولتان أبدا بما تفعله الشركات المنفذة وتلك التي تراقبها من دول جوارها مهما كانت سمعتهما العالمية . ب - ألا يطمئن السودان على أن ما سيتعاقد على شرائه من طاقة من سد النهضة سيستلمه كاملا دون نقيصة ويبني آمالا على ذلك... بل عليه أن يتحسب لنقص مقدر في الكمية التي سيتعاقد على شرائها .. وأن يقوم باعداد خططه ليس فقط للطواري ، ولكن لإمدادات وطنية تتنامى لتواكب الطلب المتنامي . 6. أما أثيوبيا ، فالأسطر أعلاه مقتطفة من مقال مهني بالإنجليزي ، هدفت منه المساهمة مع خبرائها المرموقين عند إتخاذهم القرار فيما يختص بكمية الطاقة المتاحة وعدد التيربينات المطلوبة من النوع الذي اختاروه. فأثيوبيا ، جارتنا التي تشاركنا الجزور وتبادلنا الود بأكثر منه ، تستحق منا التبرع بأكثر من رأي متواضع . ------------------------------------- * دكتوراة هندسة ميكانيكية – تطبيقي ميكانيكا الموائع – إنجلترا، 1979. تصميم واختيار التيربينات المائية من ضمن تخصصه ؛ من المؤيدين لقيام سد النهضة الأثيوبي . [email protected]