مأساة جديدة تعيد إلى الذاكرة التي لم تنسَ أصلاً سلسلة العنف الجامعي، الذي بات يصل بشكل عادي حد القتل، الطالب الطيب صالح اختفى لمدة أسبوعين، ليُعثر على جثته غريقاً، لكن الجثمان الذي بدت عليه آثار الضرب والتشويه والذي طالب ذووه أن يخضع للتشريح يعيد طرح ذات الاستفهامات المكررة والتي إجابتها أصبحت متوفرة للجميع، الطيب صالح معروف بنشاطه السياسي ويبدو أن هذه جريرته. حادثة الطيب صالح ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وللأسف سوف تمر كما مرت حوادث غيرها وقبل أن تصل نهاياتها سوف تموت،لأن الدم لم يعد مثيراً ولم يعد هذا المشهد محركا للجميع، فقبل حادثة الطيب كان مقتل الطالب بجامعة الخرطوم علي أبكر الذي مات قتلاً بالرصاص وقبله وقبله من الحوادث التي لا يُمكن تصديق حدوثها إلا في الغابة. القضية ليست فقط متصلة بالعنف الجامعي وما يدور فيها، القضية الآن باتت أكبر من ذلك، لأن الجميع بات يدفع ثمناً باهظاً نظير مواقفه وإن وصل ذلك حد أن يدفع بروحه التي لم تعد ذات قيمة في هذه البلاد. المؤكد أن ذوي الطالب الطيب صالح سوف يصرون على أن تصل القضية حتى نهايتها لكن المتوقع أن تموت القضية كسابقاتها، ليس لشيء إلا الذي تعلمونه جميعاً، وسوف يُقتل غير الطيب صالح بل يحدث هذا بشكل راتب ولا قضية تصل نهايتها وكلنا نعلم ذلك. هذا المشهد أن استمر على طريقة "القوي يأكل الضعيف" سوف يتحول السودان إلى غابة القتال فيها أشرس مما نشاهده في الأفلام، سوف ينفجر الغبن المتراكم في النفوس والذي ظل محتقناً سنوات طويلة لسبب غياب العدالة ورد الحقوق، سوف ينفجر دماً، السودان الآن تفيض نفوس بنيه غبناً واحتقاناً وكراهيةً جميعها بلغت حد الانفجار تنتظر فقط ساعة الصفر. إلى الذين يدهسون العدالة يومياً ويطأونها بأقدامهم أن يتصوروا كم هو حجم الألم لأم ترى قاتل ابنها بعينيها يسير بطلاً بينما ابنها تحت التراب موصوف بمخرب أو مجرم وقاتله يُمجد ويمنح الوشاحات والأوسمة، هذا الشعور الذي ظاهره ألم وحزن فقط إنما باطنه طاقة انتقامية لا حدود لها، هذه الطاقة كافية تماماً لتحويل العصفور إلى أفعى.. خطورة قتل هذه القضايا وتعمد قتلها أن المظلوم سوف يضطر أن ينتقم لنفسه بيده حينما يفقد الأمل والثقة تماماً في أن ترد له العدالة حقه، وهذه وحدها سوف تحول المشهد إلى دم لن يتوقف.. انجزوا العدالة قبل فوات الأوان وردوا الحقوق إلى أهلها قبل أن يتحول الجميع إلى القيام بدور المنتقم، فالساحة لا تحتمل أي مشاهد دموية أخرى، يكفيها الذي عليها الآن. التيار